جدة- ياسر بن يوسف
أجمع عدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال على أن ما أنجزته المملكة من خلال رؤية 2030 في 5 سنوات، منذ اطلاقها في ابريل 2016، كان يحتاج إلى عقود طويلة من الزمن، بعدما استبدلت النفط بالعقل، وأكدوا أنها عجلت بالكثير من الإنجازات في كل القطاعات، ونجحت في تحقيق ما يزيد عن 96 هدفاً حتى الآن، وكانت وراء إطلاق عدد من المدن الذكية العالمية والمشاريع العملاقة والمبادرات الطموحة التي رفعت مستوى جودة الحياة وقلصت البطالة وقادت المجتمع السعودي نحو الرفاهية والسعادة.
وتوقعوا أن يسهم الحماس الكبير لعراب رؤية الوطن، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد الأمين، في تحقيق آمال وتطلعات الجيل الجديد، ونقل الوطن إلى قائمة الدول الكبرى على المستوى الصناعي والتجاري والخدمي، مشيرين إلى أهمية المرحلة المقبلة التي تحتاج إلى تضافر كل الجهود لتنفيذ المبادرات والمشاريع العملاقة التي طرحها سموه، لتعزيز النهضة الاقتصادية الشاملة على جميع المستويات.
العقل قبل النفط
وقال الاقتصادي الدكتور عادل الصحفي إن رؤية المملكة 2030 التي أكملت عامها الخامس، نجحت في تجاوز عدد كبير من التحديات، لتكون على مستوى الطموحات والآمال التي وضعت عليها، حيث عملت خلال الثلث الأول من عمرها على زيادة فعالية الحكومة واستجابتها، من خلال الاستثمار في التحول الرقمي الحكومي، وخلقت فرصًا للنمو والاستثمار، واستحدثنا عددًا من القطاعات الاقتصادية الجديدة، ورفعت مستوى جودة حياة المواطنين، وقلصت نسب البطالة بشكل لافت، ورفعت ترتيب السعوديين في مؤشر السعادة العالمي، حيث باتت تتصدر القائمة عربياً، وتأتي في المركز 21 عالمياً بعد أن تقدمت 7 مراكز دفعة واحدة على الصعيد الدولي، والأجمل في رأيي أن كل تلك الإنجازات تمت بأيدي أبناء هذا الوطن وبناته.
وشدد على أن الرؤية أثبتت بعد 5 سنوات من اطلاقها، أنها غير مسبوقة في تاريخ المملكة، حيث اعتبرت العقل بديلا للنفط، من خلال تركيزها على تنمية الموارد البشرية للمواطن السعودي، وشددت على ضرورة زيادة الصادرات غير النفطية إلى 50% من حجم الصادرات السعودية وتحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد معرفي بحلول عام 2030، مع تمكين المرأة وتقليص البطالة.
96 هدفاً
ولفت رجل الأعمال سعيد بن علي البسامي إلى أن رؤية المملكة 2030 ركزت منذ اطلاقها على 96 هدفاً رئيسياً تساهم في التنمية الشاملة للمجتمع السعودي على جميع الأصعدة، ورغم ظهور جائحة كورونا التي عطلت التنمية في أغلب دول العالم، إلا أن الرؤية على عكس من ذلك سرعت وتيرة العمل، وأسهمت في تحقيق أغلب الأهداف الموضوعة من خلال 13 برنامجاً إصلاحياً تنموياً وتنفيذياً، علاوة على أنها فتحت أبواب السعودية نحو العالم، من خلال شراكات إستراتيجية والاستفادة الكبيرة من التجارب العالمية، وتبادل الخبرات في الكثير من القطاعات التنموية الرئيسية، وأطلقت العنان لخطط تطوير السعودية في شتى القطاعات والمجالات، حيث خلقت فرصاً للتدريب والتأهيل والاستثمار، وجعلت المواطن السعودي على رأس أولوياتها.
وأكد أن ما حققته المملكة من إنجازات خلال الأعوام الخمسة الماضية في ظل رؤية المملكة 2030 أبهرت العالم أجمع، كانت أحلاماً ورؤية حالمة تحققت على أرض الواقع بدعم القيادة الرشيدة وعزم وحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورؤية ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، فقد كانت تحتاج إلى عقود طويلة حتى تتحقق في ظل برامج التنمية التقليدية، مشيراً إلى أنها حفزت الجميع على العمل بأقصى طاقتهم لتحقيق أعلى درجات الانجاز واستثمار الوقت بصورة مثالية.
مدن عالمية
واعتبر رئيس طائفة العقار بجدة خالد بن عبد العزيز الغامدي أن المدن العالمية والمشاريع التي أطلقتها المملكة في السنوات الماضية كانت أكبر دليل على أن رؤية المملكة 2030 أصبحت البوصلة التي يسير من خلالها السعوديون إلى المستقبل، وقال: تحول الحلم إلى حقيقة عندما بدأت السعودية في إنجاز مدينة المستقبل (نيوم) التي اقيمت بمعايير دولية رفيعة المستوى، وتحولت إلى واقع خلال فترة وجيزة، وقبل أن تهدأ وتيرة الأنجاز أطلقت المملكة مدينة “ذا لاين” ضمن مشروع نيوم نفسه، لتصبح مدينة فريدة بيئياً ورقمياً على مستوى العالم، كما توالى إطلاق المدن والمشاريع العملاقة مثل مشروع القدية الترفيهي في الرياض، ومشروع البحر الأحمر على الساحل الغربي للمملكة، ومشاريع تطوير الرياض التي شملت بوابة الدعية ومدينة العلا التاريخية، ومشروع السودة السياحي في منطقة عسير، وشهدت الفترة الماضية إطلاق مبادرتَي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتين تهدفان إلى مكافحة أزمة المناخ وقيادة المملكة للحقبة الخضراء في الفترة المقبلة، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية، من أجل تعزيز الصحة العامة ورفع مستوى جودة الحياة.
من جهته أشار الاقتصادي ورجل الأعمال محمد الخلف إلى أن مشروع نيوم بالتحديد يعتبر نقطة تاريخية فاصلة في الرؤية تقود السعودية إلى عهد جديد، حيث رصدت المملكة له 500 مليار دولار في عام 2017 لبناء منطقة تجارية وصناعية، وركز المشروع الذي تبلغ مساحته 26,500 كيلومتر مربع (10,230 ميل مربع) على مجالات تشمل الطاقة والمياه والتكنولوجيا الحيوية والطعام والتصنيع المتطور والترفيه، وبات أحد أهم المشاريع الضخمة في المملكة، ويشمل المدن الذكية ومناطق البحث ومناطق المشاريع وأماكن الترفيه، وتتمثل مهمة المشروع في جذب أكثر من مليون مقيم وسائح من جميع أنحاء العالم، وستقدم نيوم نموذجاً جديداً للاستدامة الحضرية وتكون مكاناً يركّز على وضع معايير جديدة لصحة المجتمع وحماية البيئة والاستخدام الفعال والمنتج للتكنولوجيا.
الرابحون في الرؤية
وأكد رجل الأعمال والاقتصادي عبدالحميد خوجة على أن الشباب من الجنسين، الأكثر ربحا من رؤية الوطن التي ساهمت في تسريع وتيرة الإنجاز وأعطتهما فرصاً استثنائية تاريخية لم تتحقق خلال العقود الخمس الماضية، فالمرأة بالذات عاشت أفراحاً استثنائية منذ الإعلان عن السماح لها بقيادة السيارة، وتعزيز فرص تمكينها على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فقد حصلت على فرص كبيرة للتوظيف والتدريب والتأهيل، مثلما نالت أعلى المناصب في سنوات قليلة، وشاركت بفاعلية في كل برامج التنمية، وتحولت من مقعد المتفرج إلى المشارك واللاعب الرئيسي في مختلف مجالات الحياة، وبات لها دور بارز في صناعة القرار من خلال أكثر من 30 سيدة سعودية في مجلس الشورى و3 سفيرات وعدد كبير من الدبلوماسيات والمسؤولات في مختلف الوزارات.
وأشار إلى أن الرؤية تواكبت مع حملة الإصلاحات غير المعهودة من خلال إطلاق حملة مكافحة الفساد، لقناعة عراب الرؤية الكاملة بأنه لا تنمية في دولة كبرى إلا بعد اجتثاث الفساد من جذوره ومحاسبة كل الفاسدين، ولم يستثن أي مسؤول مهما كان منصبه، إذ شملت الحملة التي أطلقها سموه الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والموظفين الحكوميين، وبات كل مسؤول في الدول يعمل في إطار من الشفافية والوضوح لأنه يدرك أن هناك جهة قوية تراقبه وقادرة على محاسبته، بل وكان سموه سباقاً لتحويل أي مسؤول يتهاون في مهامه إلى النيابة العامة، وباتت خدمة المواطن وتحقيق متطلباته شعار المرحلة الحالية بين جميع من يتولون مناصب تنفيذية، فلا أحد فوق القانون والحساب.
“مدن” أهم مرتكزات الاقتصاد
وقالت فدوى البواردي المتخصصة في التقنية والتخطيط الاستراتيجي أن مفهوم “المدن العالمية” هو تلك المدن التي تعتبر مراكز هامة في النظام الاقتصادي العالمي لكونها تتحكم في قدر كبير من الصفقات التجارية العالمية، ولكي تُصنف احدى المدن كمدينة عالمية، يجب أن تتوفر بها معايير اقتصادية تشمل إجمالي الناتج المحلي والقيمة السوقية، ومعايير سياسية كحجم المدينة وعدد السكان وجودة المعيشة والتطور والمشاركة والتأثير في المناسبات الدولية والشؤون العالمية الجارية. وكذلك معايير ثقافية تشمل وجود وسائل إعلام كبرى مؤثرة، ومؤسسات ثقافية كالمتاحف والمسارح، ومؤسسات تعليمية ومراكز أبحاث رائدة، وتواجد مناطق سياحية وتراثية جاذبة، بالإضافة إلى وجود مرافق رياضية كبرى قادرة على استضافة الأشطة الرياضية العالمية، وأخيراً، معايير تتعلق بالبنية التحتية كوجود وسائل نقل ضخمة ومتطورة كالمطارات والموانئ والمترو والحافلات والسكك الحديدية، ووجود تقنيات عالية الجودة كالألياف البصرية وخدمات الهاتف المحمول، بالإضافة إلى توفر الخدمات الصحية المتطورة كالمستشفيات والمدن الطبية الكبرى وكذلك المختبرات الطبية عالية الكفاءة.
وبحسب رؤية 2030، توجد في المملكة العديد من المدن الاقتصادية الهامة والتي تستهدف أن تكون من أكبر المدن العالمية خلال السنوات القليلة القادمة ومنها العاصمة السعودية الرياض، وهي الواجهة السياسية والاقتصادية للمملكة، كما أنها تستوفي الكثير من معايير المدن العالمية. فالرياض تحتوي على قصر الحكم، ومقرات مجلسي الشورى والوزراء والهيئات العسكرية والحكومية والوزارات والشركات الكبرى. كما تعد مركزاً مالياً حيوياً يتضمن هيئة السوق المالية، ومقرات البنوك والمصارف، وشركات الاستثمار الكبرى، وتشكل ما يقارب 50% من الاقتصاد غير النفطي في السعودية.
وبحسب رؤية 2030، فقد صرح ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان قائلا: “إننا نستهدف أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم، اليوم هي من أكبر أربعين اقتصادا في العالم”. وتم الإعلان عن خطط مشاريع لتطوير مدينة الرياض باستثمار يقدر بنحو 220 مليار دولار خلال الأعوام العشرة المقبلة. كما تم الإعلان في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية عن إنشاء 20 مدينة صناعية في المملكة ستكون 6 منها في مدينة الرياض، لتحويلها إلى مدينة عالمية تنافسية تجذب مقرات شركات دولية وعالمية وتم الإعلان أيضاً عن تدشين 4 مشروعات نوعية كبرى في مدينة الرياض لتحسين جودة الحياة ولإدراج الرياض ضمن القائمة المتقدمة لأفضل المدن للعيش في العالم مع حلول عام 2030م، وتلك المشاريع هي “مشروع حديقة الملك سلمان”، و”مشروع الرياض الخضراء”، و”مشروع المسار الرياضي” و”مشروع الرياض آرت”.
ومن الجدير بالذكر كذلك، هو مشروع المدينة الذكية العالمية، نيوم، والتي تقع في منطقة تبوك بشمال المملكة والتي تم دعمها من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي بقيمة 500 مليار دولار كأحد أهم مشاريع المملكة والتي تهدف إلى تحويلها إلى أنموذج عالمي رائد في مختلف أنحاء الحياة من خلال الصناعات والتقنية، والتي ستضم نقاط جذب بحرية سياحية، بالإضافة إلى 50 منتجعاً و4 مدن صغيرة في مشروع سياحي منفصل بالبحر الأحمر، ومن المتوقع أن تنتهي المرحلة الأولى للمشروع في 2025م.
اما العاصمة المقدسة، مكة المكرمة، فقد صرحت أمانتها أنها تسعى لأن تكون مكة المكرمة ضمن أفضل 10 مدن عالمية، من خلال استضافتها للمؤتمر التاسع لبيئة المدن 2020م للاطلاع على أفضل الممارسات العالمية في التنمية المستدامة والتخطيط الحضري للمدن والصحة البيئية ونوعية الحياة وفق أعلى معايير الجودة، خاصة وأن العاصمة المقدسة تعد المرتبة الأولى عالمياً في التعامل مع الحشود البشرية الكبيرة خلال موسمي العمرة والحج، كما تتبنى مكة المكرمة تطوير البنية التحتية التقنية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لتطوير جودة الخدمات المقدمة للمعتمر والحاج، لتصبح مثالاً فريداً عالمياً، خلال السنوات القليلة القادمة.
وفي المنطقة الشرقية، أعلنت مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) عن انضمامها إلى قائمة المؤسسات العالمية الحاصلة على اعتماد أفضل بيئات العمل في المملكة. وتهدف سبارك إلى تحقيق إنجازات نوعية، ومنها نجاحها في تحقيق الاستدامة لتصبح المدينة الصناعية الأولى والوحيدة في العالم التي تحصل على شهادة الفئة الفضية من برنامج الريادة في الطاقة والتصميم البيئي. وستصبح سبارك نظامًا بيئيًا عالمياً للقرن الحادي والعشرين في قطاع الطاقة بمساهمة بأكثر من 6 مليارات دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، كما أنها مدينة تستقطب مستثمرين صناعيين في عدة قطاعات إستراتيجية منها البتروكيميائيات والطاقة الكهربائية والمياه.
وأخيراً وليس آخراً، فقد صرح سمو ولي العهد كذلك عن أحد أهداف المملكة في أن “تصبح مركزاً عالمياً للطاقة التقليدية والمتجددة” خلال العشرة أعوام القادمة من خلال عدة مشروعات في سكاكا وفي عدة مناطق بالمملكة، وجميع ما سبق ذكره إنجازات غير مسبوقة في تاريخ المملكة، وتعكس الجهود الحالية المبذولة لمستقبل المدن العالمية في المملكة، خلال السنوات الخمس القادمة، تماشياً مع رؤية 2030.