قضية

تربية المفترسة موضة قاتلة

جدة ـ رانيا الوجيه ـ ياسر بن يوسف

فتحت وفاة مواطن متأثرًا بإصابات تعرض لها بعد أن هاجمه أسد كان يقوم بتربيته في حي السلي بالرياض ، باب الأسئلة الساخنة حول محاذير تربية الحيوانات المفترسة والخطيرة مثل الأسود والنمور والتماسيح وغيرها من قبل أشخاص وتربيتها داخل المنازل وفي حدود النطاق العمراني لما تشكله هذه الأحياء الفطرية من مخاطر على مربيها وعلى سكان الجوار ، خصوصا وان الجهات المختصة تؤكد أن مثل هذا السيناريو يعد مخالفا لنظام الإتجار بالكائنات الفطرية الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض ومنتجاتها ، خصوصا وان هذه الحادثة تبرز أهمية الحذر عند التعامل مع الحيوانات المفترسة وخطورة التعامل معها.

“البلاد” فتحت ملف الحيوانات المفترسة والتي يتم تربيتها في المنازل والمزارع والاستراحات وفي النطاق العمراني حيث كان الإجماع أن الإنسان مهما بلغت ثقته في التعامل مع الأحياء الفطرية إلا انه لا يعرف ولا يتوقع ما يمكن ان تقوم به ، خصوصا وأن ثمة حالات كثيرة حول العالم لمروضي حيوانات مفترسة لقوا مصرعهم بغتة بعد ان هاجمتهم حيوانات مفترسة في حدائق الحيوان أو في منازلهم .

في البداية تحلل الأخصائية النفسية إيلاف بخاري الطبيعة النفسية والتشخيص للخصائص النفسية لهواة ترويض أو مربّي الحيوانات المفترسة موضحة: تعتبر تربية الحيوانات المفترسة داخل المنازل أو الاستراحات مثل النمور والأسود والفهود وغيرها من الحيوانات التي تشكل خطرا على حياة الإنسان، وهو نوع من أنواع التباهي أو البذخ والاستعراض أو للإحساس بالقوة والسيطرة على الآخرين من خلال الترعيب والتخويف، أو من جهة أخرى تكون من باب تقليد الآخرين ، ووجود حيوانات مفترسة داخل المنازل ممن لا يستطيعون ترويضها تشكل خطرا على حياة أصحابها وعلى عامة الناس اللذين لا يستطيعون التعامل معها، وخاصة الأطفال والنساء.

سلاح ذو حدين
وتضيف بخاري بقولها: تربية الحيوانات بشكل عام حسب اعتقادي سلاح ذو حدين، فهو من الناحية الإيجابية ينمي في الإنسان صفات الرأفة والرحمة والتعاطف والرفق بالحيوان، وهذا من المعاني النبيلة التي يحث عليها الدين الحنيف، كذلك لها فائدتها لدى النشء خاصة الأطفال، فهي فرصة ذهبية لتنمية القدرات العقلية والذهنية، وتنمية المهارات العاطفية، بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية الذكية، حيث يتعود الممارس لها على الصبر وتحمل المسؤولية.

وتضيف: من الجانب الآخر، هناك بالطبع جوانب سلبية في ممارسة هذه الهواية، حيث بدأ البعض يربي الثعابين والذئاب والأسود، وهذا حسب اعتقادي هوس وتقليد عشوائي، أو ربما هي غريزة التحدي والإصرار العمياء التي إذا ما أشبعت بإفراط، أصبح لدى الإنسان رغبة همجية في إشباع غريزته بما هو أخطر من ذلك، وبالتالي تتكون لديه رغبات غير متزنة، وسلوكيات غير مقبولة مجتمعيا، فضلا عن إثارة الرعب، لأن ما يألفه كممارس قد يرهب غيره بالتأكيد».

ويقول الطبيب البيطري حسان إبراهيم أخصائي حيوانات صغيره ومفترسة: إن الكثير من الناس يجهلون سلوك الحيوان، إذ إن سلوك الحيوانات البرية يتغير، وتطرأ عليه تغيرات هرمونية، يعيش فيها حالة انزعاج كبيرة، وضغوطاً، تسفر عن ردود فعل سيئة جداً تجاه البشر، فضلاً عن أنه لا يمكن على الإطلاق أن يربي أفراد حيوانات برية لديهم في منازلهم، أو حدائقهم، ومزارعهم، على اعتبار أن هذا الحيوان يمكن استئناسه، وأنه اشتراه صغيراً وسيكبر لديه، وأن الحيوان سيتعلم، لأن الحيوان البري يتعامل بالغريزة، وليس بالتعلم.

بريق الشهرة
ويعلق برأيه مدرب الحيوانات المفترسة وصاحب حديقة حيوانات بمنطقة عسير فيصل عسيري قائلا: يقوم بعض الأشخاص بتربية الحيوانات المفترسة من باب الشغف وحب الحيوانات من هذا النوع أو من باب لفت الانتباه والتفاخر والاحساس بالقوة من خلال تربية حيوان قوي، أو يكون هدفه الوصول إلى الشهرة ، وليس كل شخص يستطيع اقتناء تلك الحيوانات الا أن تكون له دراية ومعرفة واسعة بطبيعة تربيتهم أو أن يكون لديه مدرب خاص ليعلمه طريقة وآلية التعامل مع الحيوان المفترس، فهناك اشخاص يقومون بشراء واقتناء تلك الحيوانات منذ صغرها ويتفاجأ أنها كبرت بسرعة وهي بالفعل من النوع الذي يكبر بسرعة، ومن ثم يتورط به مما يشكل خطرا على حياته، ومن الخطأ الفادح أيضا تربية هذه الحيوانات داخل المنازل أو الاستراحات الخاصة، وبالتالي يجب أن يكون هناك حدائق ومساحات خاصة ومواقع نموذجية في كل منطقة في المملكة لتسكين هذه الحيوانات وأن تحتوي الدولة هؤلاء الأشخاص الهاوين من الشباب السعودي وجمع الهواة مع مدربين لممارسة هوايتهم وصقلها بالمعرفة والتدريب، أيضا لابد من وجود أطباء بيطريين في نفس الموقع، وأيضا لجذب السياحة والسياح من خلال وجود أقفاص وأسوار وحواجز آمنة ، فمهما كان نوع الحيوان يعود الى غريزته فيجوع فلا يعرف صاحبه ولا مدربه. فالحيوانات المفترسة تعود الى غريزتها مهما كان فمن الممكن أن تكون حادثة الرياض التي افترس فيها الأسد صاحبه إما بسبب أن الأسد كان في موسم تزاوج وفي هذه الحالة يكون الأسد اكثر شراسة ولا يميز اذا كان هذا صاحبه أو مربيه، أو أن يكون تم معاملته بقسوة أو شم رائحة الخوف فينقلب على صاحبه فورا.

أمر مخالف
وفي السياق نفسه أعرب المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عن بالغ أسفه للحادث المفجع الذي وقع في الرياض، والمتمثل بهجوم أسد على المواطن الذي يقتنيه مما أدى إلى وفاته رحمه الله.

وأوضح المركز أن تربية واقتناء المفترسات بشكل عام أمر مخالف لنظام البيئة واللائحة التنفيذية للاتجار في الكائنات الفطرية ومنتجاتها ومشتقاتها، وأن تربيتها داخل المنازل والنطاق العمراني يعتبر أمراً ذا درجة عالية من الخطورة من الناحية الأمنية، كما أن استيراد المفترسات للأغراض الشخصية أو التجارية ممنوع بموجب أمر سامٍ كريم، ولم يسبق للمركز أن قام بإصدار تراخيص لاستيراد المفترسات لهذه الأغراض.


ودعا المركز كافة مقتني المفترسات إلى ضرورة التواصل مع المركز لتسليم ما لديهم من مفترسات، لمعالجة أوضاعها بأفضل طريقة ممكنة، لكي لا يدخلوا ضمن طائلة المحاسبة القانونية بعد نفاد فترة تصحيح الأوضاع الخاصة بنظام البيئة، كما يحث المركز كافة المواطنين والمقيمين على ضرورة تقديم البلاغات اللازمة في حال توفر أي معلومات لديهم عن تربية مفترسات داخل النطاق العمراني وذلك من خلال الاتصال على رقمي الطوارئ (996) و(999) في جميع مناطق المملكة، و(911) بمنطقتي مكة المكرمة والرياض. وتابع المركز أن الجهات الحكومية المصرح لها فقط استيراد مثل هذه الأنواع هي حدائق الحيوانات الحكومية التابعة لأمانات المناطق والمصرح لها، وكذلك للاستخدامات العلمية مثل مراكز الأبحاث العلمية والجامعات ولأغراض العروض الترفيهية المعتمدة على الحيوانات المفترسة المدربة ولفترات محددة بعد التنسيق مع الجهات ذات العلاقة.

واستطرد المركز أن تربية البعض لحيوانات مفترسة صغيرة السن بوصفها أليفة غير دقيق لأن هذه المفترسات لا بد وأن تعود في فترة ما في حياتها إلى فطرتها التي فطرها عليها الخالق سبحانه وتعالى، كما أن تربية الحيوانات الفطرية في المنازل قد تنقل كثيرا من الأمراض المعدية المشتركة للبشر نظراً لعدم اتخاذ الاحتياطات الصحية والبيطرية، لافتة إلى أن المركز لديه الخبرة الكافية للتعامل مع هذه الحالات باستخدام الوسائل العلمية المتبعة والآمنة على الحيوان وعلى الناس بالطرق العلمية والفنية.

وأهاب بجميع من لديه حيوانات مفترسة مثل الأسود والنمور والفهود أو حتى زواحف مثل التماسيح والثعابين والعقارب وكذلك القرود أن يبادر بالإبلاغ عنها لتسليمها فوراً نظراً لخطورتها على من يؤويها وعلى غيره.

أحداث مأساوية

ازدادت في الآونة الأخيرة “موضة” تربية الحيوانات المفترسة، مثل النمور والأسود في المنازل والاستراحات، دون أن يكون هناك أي اعتبار لخطورتها وشراستها وأضرارها، فمهما جرى من تدجين وتدريب وتمرين لتلك الضواري فإنه لا يؤمن جانبها وتظل خطرة مفترسة، والقصص حول ذلك كثيرة، فكم من أسد افترس مدربه، وكم من نمر قتل صاحبه، وكم من دب مزّق من حوله، وعروض السيرك العالمي تشهد على كثير من الأحداث المؤلمة التي راح ضحيتها العديد من الأبرياء العاملين في المجال، ولا تزال قصة المدرب محمد الحلو وعائلته في مصر شاهدة على ذلك الافتراس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *