قضية

لمن تذهب “الفكة” وباقي الريال؟

البلاد ــ رانيا الوجيه ــ مها العواوده

يواجه المشترون في بعض محلات السوبر ماركت والمراكز التجارية وحتى البقالات واحيانا الباعة الجائلين عدم وجود ” الفكه” والمتمثلة في ” النصف أو الربع أو العشر هللات” ما يجعل الزبون يتغاضى عنها بطيب خاطر، أو في بعض الأحيان فإن ” الكاشير ” يتناسى استرجاع المبلغ أو أنه يمنح المشتري “لبانا أو منديلا” أو ماشابه ذلك نظير عدم وجود الفكة ،

ويرى متسوقون ومختصون أن عدم وجود العملات المعدنية أصبحت عادة تمارسها المحال التجارية مع المستهلك, والسؤال الذي يعلن عن حضوره هنا لماذا جميع المحال التجارية تضع أسعارها بالهللات؟.. على سبيل المثال تجد ثمة سلعة بـ 9.95 ريال ، وإذا لم تكن لديها ” الفكة ” لماذا تصر على التعامل بها ، وكم تكسب هذه المراكز والمحال التجارية من المستهلكين نظير ” الفكه ” وقد يكون السؤال الادق : كم يكسب الكاشير وما الحجم التراكمي لهذه الفكة على مدار الشهر والعام ؟ .. ليس هذا فحسب بل أن الهاتف والكهرباء والصيدليات دائما تتعامل بالهللات وتأخذ حقها ولا تتنازل عنه، وإذا كان الأمر كذلك فإنه من حق الزبون استرجاع الهللات المتبقية له حتى وإن كانت خمس هللات فقط .

وعند استطلاع آراء بعض المواطنين عن ثقافة الفكة قالت خيرية حتاته : نعم آخذ الباقي لأنه حق من حقوقي، وأحياناً يقول لي البائع لا توجد فكة في تلك الحالة اقوم بإرجاع البضاعة خصوصا وأن المحلات التجارية لا تتنازل عن الهللات التي تخصها، أما بالنسبة للفكة أين تذهب ومن يأخذها، فلا أعلم بالتحديد ولا أعرف مدى صدق البائع عندما يقول إنها تذهب تبرعات إلى الجهات الخيرية.

واستطردت: محصلة هذه الفكة آخر السنة تتجمع لتصبح مبلغا ذا قيمة بحكم أخذ الفكه من كل شخص حيث تكون ثروة ، ونحن في حاجة إلى ثقافة الفكة من العملة المعدنية وغيرها لتعليم أولادنا قيمة النعمة التي أصبحت لا تقدر عند البعض، لذلك ادعو إلى أهمية وجود الفكة في المحال التجارية وإعادة نشرها ضروري لحماية المستهلك.

تراكم الفكة
اما مها غنام فتقول: كنت في السابق لا أعير الفكة المعدنية أي اهتمام، وكنت أفشل في تجميع الهلل أو نصف الريال ولكن بعد أن أصبحت أجمع العملة المعدنية في حصالة صغيرة وفي يوم ما لجأت اليها وساعدتني في فك أزمة حيث تجمعت لـ 30 ريالا استطعت أن أشتري بها بعض الاحتياجات، مما جعلني لا اتنازل ابدا في الحصول على الفكة مهما كانت قيمتها صغيرة.


ويقدر فواز ساب مدى أهمية القيمة المالية للفكة التي يستهين بها الأغلبية، ويقول: بكل تأكيد أصر على أخذ الباقي مهما كانت قيمته صغيرة ، فمحصلة تراكم تلك الفكة البسيطة تنتهي بمبلغ مالي أعود إليه وقت الحاجة .. وليس هناك كاشير يمانع من رد الفكة، وبالتالي لي الحرية إما أن أحتفظ به أو أتبرع به عبر صناديق التبرعات الخيرية.

لا تحايل
توجهت “البلاد” الى موظفي الكاشير “المحاسبة” في بعض المتاجر التسويقية للاستفسار عن آلية التصرف في الفكة، حيث قالت موظفة الكاشير في أحد المتاجر الكبرى: لا نجبر ولا نتحايل على المشتري أو المستهلك لأخذ الباقي فهناك سلع على سبيل المثال تكون قيمتها 19,75 وبالتالي له حق الحصول على الفكة المعدنية أو الورقية، وله حق الاختيار في الحصول على الفكة نقدا أو استبدالها ببعض الحلوى أو أي منتج بقيمة الفكة. وهناك بعض الأشخاص يتركون الفكة بإرادتهم وبالتالي تسجل في الفاتورة.

أعمال خيرية
وقال موظف كاشير آخر إن أغلب المتسوقين يحصلون على الباقي ” الفكة” وهم من يقررون إما التنازل عنه بالتبرع أو شراء بعض الحلويات أو اللبان بقيمة الفكة، أو أخذه والاحتفاظ به، أما في حالة تركه من قبل المشتري فبحسب سياسة المتجر يتم تحصيل تلك الفكة آخر الشهر ورصدها للأعمال الخيرية.

موضوع عميق
والتقينا بالدكتورة مها حريري استشارية نفسية واجتماعية وعرضنا عليها الامر فقالت: ثقافة الفكه موضوع عميق جدا فإذا أردنا نشر هذه الثقافة بين أفراد المجتمع، يجب ان يكون المشتري لديه وعي بالقيمة المالية بشكل عالٍ جدا ومن ثم تصحيح مفاهيم العملات المعدنية الصغيرة الريال والاقل منه كنصف ريال أو ربع ريال والتي اذا تجمعت بعد فترة ستكون مبلغا لا بأس به وبالتالي لابد من نشر وتعزيز الوعي لدى المجتمع أن القيمة الصغيرة تتحول الى قيمة أكبر، والعملة الكبيرة تبدأ من العملة الصغيرة الهللات ولذلك يجب ان تكون هذه القيمة المعدنية متداولة ، ولا نستطيع تعزيزها لدى المجتمع اذا لم تكن متداولة وبما أن مؤسسة النقد “البنك المركزي السعودي” استحدثت في السنتين الأخيرين عملات جديدة لتداولها، وبالتالي يجب ان يكون هناك وعي كبير لدى افراد المجتمع بأهمية تلك القيمة الصغيرة المعدنية وهي الفكة” ..

ولكل انسان قيم تكوّن شخصيته سواء كانت قيمة دينية أو قيمة تعليمية أو قيم معرفية ومنها المالية، ولذلك هناك بعض الأشخاص لا يملكون القيمة المالية وبالتالي لايهمهم الحصول على الفكة الصغيرة ولا يهتمون بمعرفة أين ستذهب وماذا ستكون محصلتها اخر السنة، وليس لديهم صبر على تجميع هذه الفكة للاستفادة من قيمتها فيما بعد، ومن الناحية الاجتماعية هناك دور كبير لتوعية المجتمع أن القيمة الصغيرة لأية عملة هي التي تكون العملة الأكبر من الصفر الى 100، فالقيمة المالية في المجتمع هي الورق وليس المعدن ومع الوقت وتداول المعدن سوف تصبح قيمة مع الاستخدام.

وتضيف الدكتورة مها: في الأغلب هناك الكثير من الأشخاص الذين يطلبون الباقي أو الفكة أثناء العمليات الشرائية وهناك بعض المحلات التي تضع صناديق للتبرع بالهللات لصالح الجمعيات الخيرية وهذا يعتبر احد الحلول المناسبة لمعرفة اين ستذهب هذه الفكة.

وعي مجتمعي
يقول أستاذ القانون الجنائي المساعد بمعهد الإدارة العامة بالرياض رئيس اللجنة القانونية في هيئة الصحفين السعودية الدكتور أصيل الجعيد على كل محل تجاري أن يتملك فكة مالية “عملات معدنية” لدفعها للزبائن ولكن الإشكالية أنها مشكلة وعي مجتمعي بحاجة لتكاتف عدة جهات البنك المركزي السعودي ووزارة التجارة والهيئة العامة للزكاة والدخل ووزارة الإعلام، حيث يتغاضى الزبائن لسبب أو لآخر عن أخذ الفكة ..وبعض المحال المشهورة أوجدت برامج خيرية مجتمعية لتحويل الفكة الزائدة للمحتاجين، ولكن أيضا هذه البرامج تفتقد عنصر الرقابة والحوكمة فيما يتعلق بموارد صرفها وإيصالها للمعوزين. واكد عدم توفر أرقام موثقة عن حجم هذه الظاهرة لكنها بكل تأكيد بحاجة لمزيد من البحث والدراسة وسن قوانين رادعة. وأشار إلى أن تعليمات البنك المركزي السعودي ووزارة التجارة وتعاميمهما واضحة بهذا الشأن حيث يمكن الحصول على العملات المعدنية من خلال جميع فروع البنك المركزي السعودي المنتشرة في مناطق المملكة، إضافة إلى فروع البنوك التجارية، وفي حال عدم تسهيل الحصول عليها فيمكن التقدم بشكوى إلى البنك المركزي السعودي من خلال إدارة حماية العملاء.

ولفت إلى تأكيد وزارة التجارة في أكثر من مناسبة على أن امتناع المتاجر عن تداول العملات المعدنية مخالفة تستوجب فرض العقوبات عليها، وعلى كافة المنشآت التجارية أن توفر جميع الفئات من العملة المعدنية للمستهلكين لاسيما وقد تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة. ويرى ضرورة تعاون المستهلكين مع وزارة التجارة والإبلاغ عن المنشآت غير الملتزمة بتوفير العملات المعدنية لمركز البلاغات في الوزارة على الرقم (1900)، أو عبر تطبيق (بلاغ تجاري) أو الموقع الإلكتروني للوزارة.

سياسة نقدية
وعن تعميم استخدام جهاز “مدى” للخصم والالزام بالدفع الالكتروني في البقالات والتعاملات الصغيرة كحل قال:” لا شك أنها سياسة نقدية نافعة لأن المال المتداول الكترونيا يسهل تتبعه أيا كان شكل هذا المال ولكن المال النقدي الكاش يصعب تتبع أثره واكتشاف الأنشطة الإجرامية المتعلقة به – إن وجدت – من الجهات المختصة.

وأوضح أن تعمد المحل التجاري أو المؤسسة عدم إعطاء المتبقي من المال للمشتري يعد مخالفة تستوجب العقوبة وتكتشف بسهولة بمقارنة مبيعات المؤسسة عبر نظام مدى للمدفوعات والمبالغ الزائدة غير المبررة بسبب وجيه ونظامي، وبهذا يتم اكتشاف ان المؤسسة أو العاملين فيها بعلم ملاك المؤسسة أو بدون علمهم ( التستر التجاري) لديهم مبالغ فائضة عن الميزانية وسبب وجودها غير قانوني وبالتالي فالخطوة المنطقية التالية في هذا السياق هي غسل الأموال.

وتابع: لهذا فإن التستر وغسل الأموال من الجرائم المركبة التي تتكون من عدة جرائم مرتبطة ببعضها البعض ولكل جريمة عقوبة محددة بالنظام، ولهذا أطلقت وزارة التجارة حملة لمكافحة التستر التجاري على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وأطلقت منصة لتصحيح أوضاع مخالفي نظام مكافحة التستر لمحاربة هذا النوع من الجرائم.

على المشتري استيفاء حقوقه

المستشار المالي والاقتصادي ماجد بن أحمد الصويغ أكد أن من أهم الأمور التي يتساهل فيها المشتري عدم أخد ما تبقى له من هللات في المتاجر سواء عن حسن نية أو تسامح أو تساهل في المبلغ المتبقي، هذا قرار شخصي للفرد والأهم إن كان هناك تعمد من قبل التجار بعدم دفع الفكة وهنا يكمن الخلل، مشيراً إلى أن هذه الحالة تعد مخالفة من قبل وزارة التجارة والبنك المركزي السعودي ممثلة في عدم إرجاع الحقوق لأصحابها.

وأضاف” يجب على المشتري (مواطنا أو مقيما) داخل المملكة المطالبة بما تبقى له من حقوقه حتى وإن كانت هللات، البنك المركزي السعودي لديه سياسات وإجراءات واضحة كما أنه يقوم بصك عملات حديدية من فئة (٥ و١٠ و٢٥ و٥٠ و١٠٠) هلله وهو يعني أنه حريص على أخد المشتري حقوقه وأمواله المتبقية، مع العلم أن هذه النقود المعدنية تكلف الدولة الكثير لكنها حريصة على استيفاء الحقوق”.

ويرى أن بعض المتاجر يقوم موظفوها عمدا بتغافل المشترين، وأن الأفضل في حال عدم وجود فكة “كاش” ان يتم الدفع الكترونيا عن طريق البطاقة الإلكترونية مدى، لأنها أكثر أمانا وضمانا للحقوق وهذا ما أكد عليه البنك المركزي السعودي بإجبار المحلات التجارية على استخدام الدفع الالكتروني عند نقاط البيع بالتعاون مع وزارة التجارة من أجل ضمان الحقوق والدفع، بالإضافة إلى محاربة غسل الأموال والتستر التجاري الحاصل عبر التعامل النقدي مؤكداً أن التعامل الالكتروني يخضع لرقابة مشددة من قبل الجهات الرقابية ومن قبل الشركات والإدارات المالية بها وإدارات الالتزام والمراجعة الداخلية مما يعني عمليات أكثر بسهولة ومرونة وحفظا للحقوق، حتى لا نكون سببا في عمليات التستر التجاري أو غسيل اموال دون علم أو دراية منا.

وختم حديثه بالقول: ولنتبع سياسات وإجراءات وأنظمة البنك المركزي السعودي ووزارة التجارة من أجل وعي مالي أكبر في المجتمع.

وزارة التجارة: هذه تصرفات غير نظامية

صرح مصدر مسؤول بوزارة التجارة مؤكداً على حق المستهلك في أخذ المتبقي من العملات المعدنية عند دفعه مبلغ شراء السلع، وعدم نظامية الممارسات التي تقوم بها بعض المنشآت التجارية والمتمثلة في تبديل المتبقي من ثمن السلعة من العملات المعدنية بسلع أخرى رخيصة، والتي تمثل إلزاما له بشراء مواد إضافية، بدلاً من الحصول على حقه المتبقي من المال.
كما تؤكد الوزارة أن جميع المحال التجارية ملزمة بإعادة المتبقي من ثمن السلعة من أجزاء الريال، وأن عدم الالتزام بتوفير أجزاء الريال من العملات المعدنية للمستهلكين يعرضها للعقوبات المنصوص عليها بناء على لائحة الغرامات والجزاءات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *