من الغريب أن ينجح الإعلام في جعل شهر رمضان المبارك مناسبة للدعة والراحة، وتناول الطعام والشراب أكثر من بقية الشهور!! وتحاول جميع القنوات الفضائية جذب المشاهدين بشتى الطرق لمتابعة برامجها المختلفة، حتى إن وجدان الأجيال الجديدة يرتبط فيه شهر رمضان المبارك بالدراما والمسلسلات وبرامج التسلية والترفيه فارغة المحتوى سطحية المضمون أكثر مما يرتبط بالعمل والجدية!!
ولا نفهم لماذا لا نربط وجدان أبنائنا بالحكم الجليلة التي شُرع من أجلها الصيام؟! ولماذا لا نُعلمهم أن رمضان هو شهر الجد والعمل، بل هو شهر النصر، بدءًا من انتصار المسلم على رغبات نفسه وتحكُّمِه فيها طاعةً لله تعالى، ثم انتصار المسلمين على أعدائهم في معارك فاصلة غيَّرت وجه التاريخ، حيث تؤكد أحداث التاريخ الإسلامي أن رمضان هو شهر النصر، ففي السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة النبوية وقع حدث من أهم الأحداث في تاريخ المسلمين، هو غزوة بدر الكبرى التي سماها الله تعالى يوم الفرقان، وهي أول صدام حقيقي بين المسلمين والمشركين، وقد انتهى بفضل الله بتحقيق النصر المؤزر للمسلمين، قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}.
لقد تغير واقع المسلمين السياسي والعسكري تغيرًا تامًا بعد غزوة بدر الكبرى، وصار لهم شوكة قوية ومكانة كبيرة؛ إذ أصبح لهم دولة في المدينة النبوية، وسمع العالم كله آنذاك عن هذه الدولة الوليدة، ومن حكمة الله تعالى أن تكون غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان، للتأكيد على أنه شهر للتغيير نحو الأفضل على المستوى الفردي والجماعي، وليس مجرد شهر لتعديل مواعيد تناول الطعام، وتبديل الليل بالنهار فينام المرء نهارًا ويقعد عن العمل لأنه صائم!!
وفي الحادي والعشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة كان المسلمون على موعد مع حدث مهم آخر من أحداث التاريخ هو فتح مكة، وكان من الممكن أن يُؤَخِّر المسلمون الخروج لتحقيق هذا الهدف الكبير عدة أسابيع فقط ويخرجوا في شوال لكن هذا لم يحدث؛ لأن الله تعالى أراد أن يُعلمنا أن شهر رمضان هو شهر العمل والجهاد الذي تتغير فيه أحوال المسلمين، وشهر الطاعة والعبادة، وشهر الانتصارات، وليس شهر تعطيل العمل والركون للدعة والراحة.
وفي شهر رمضان عام 53ه فتح الله تعالى على المسلمين جزيرة رودس الواقعة في البحر الأبيض المتوسط، وفي رمضان عام 92ه تمَّ فتح الأندلس ونصر الله اثني عشر ألف مسلم بقيادة طارق بن زياد على مائة ألف إسباني بقيادة (لوذريق) في معركة وادي برباط (أو وادي لكة، أو معركة شذونة)، وفي 25 رمضان عام 658ه وقعت معركة عين جالوت ونصر الله المسلمين بقيادة سيف الدين قطز على جحافل جيوش التتار، وفي العاشر من رمضان عام 1393ه نصر الله تعالى العرب على الاحتلال الصهيوني.
وهكذا يتأكد لنا أن رمضان هو شهر العمل والجد … شهر النصر والفوز … وكم نخسر عندما نزرع في عقول ووجدان أبنائنا أن رمضان هو شهر الدعة والراحة، والنوم نهارًا والسهر ليلًا لمتابعة البرامج والمسلسلات!!
أكاديمي وكاتب رأي
GhassanOsailan@