هذا ما حكاه أحد القادمين للباحة والذي زارها في صيف العام الماضي حيث قال: لم أكن أتصوّر أن أجد مثل هذا الجمال الطبيعي الخلّاب والحسن الفتّان في بلادنا، حتى تهيّأت لي فرصة زيارة منطقة الباحة لأول مرة. حيث كنت مشدوهاً وأنا أتجول بين جنباتها الساحرة ومناظرها الباهرة.
وتزيد بهجتي وأنا أشاهد عناق الضباب للجبال وتأسرني مداعبته للأشجار والأزهار عندما يطبع عليها قبلات سريعة تتحول بحرارة العلاقة الدائمة إلى قطرات ندية تتبلور على أوراق الأغصان وأكمام الزهور والورود فتزداد جمالاً على جمال! وتمتد فتنة الناظر للاستمتاع بسحر الطبيعة وروعة الأجواء.
وتتضاعف الدهشة عندما ارتقي قمم الجبال الشاهقة لأعرف معنى الشموخ وأنا اعتلي السحاب وأشاهد منظراً آخّاذاً وكأنني في السماء فكتل السحاب تتحرك أمام ناظري تتجمع وتتراكم تسوقها الريح في تشكيلات مذهلة، وفي هذا العلو أعلم أنها تمطر عندما أشاهد لمع البرق وكان عليّ في تلك الحال أن أتحرك بسيارتي لأسجل اللحظة لأثبت لنفسي أنني كنت في السماء لأشاهد ما حدث على الأرض!! ولم أكن اتصوّر هذا المشهد الرائع بما تعنيه الكلمة، فعند نزولي أو بالأصح هبوطي شاهدت مدارج تكسوها الخضرة وتزينها حبات البرد المتناثرة على صفحتها والأسماع يشنّفها هدير تلك الشلالات المتدفقة من كل مرتفع وخرير جداول الماء المنسابة في طريقها إلى الأودية التي تزدهي بما يهدى إليها من المزون لتسقي بها المزارع وتغذي البحيرات الرقراقة التي تتشكل على الجنبات بشكل مثير للدهشة وكأنني في خيال جميل أو حلم لذيذ فنسمات الهواء المنعش ورذاذ الهتان الذي يصافح الوجوه تبعث في النفس النشوة والارتياح.
وفي أشهر الصيف القائظ كما عهدناها من قبل في مناطقنا لم أكن أتصور أنني أحتاج إلى مزيد من الملابس لأتقي البرد حتى عشت في منطقة الباحة أياماً جميلة وعرفت تماماً أن للجمال موطناً حقا.
وأبدى الزائر سعادته بتلك الرحلة السعيدة معبراً عن انطباعاته لما رآه عن قرب قائلاً كم تمنيت لو زرتها وعائلتي من قبل لأننا لسنا بحاجة إلى السياحة الخارجية فهنا الجمال والطبيعة والتراث والآثار وهنا الأصالة والتاريخ هنا الراحة والأمان.