متابعات

المحميات .. توازن بيئي وسياحة مستدامة

 جدة ـ عبد الهادي المالكي

تتميز المملكة العربية السعودية بتراث طبيعي وافر ومتميز يشتمل على أنواع متعددة من المعالم والمناظر الطبيعية والحياة البرية والفطرية إلى جانب المناطق الرطبة والصحراوية والساحلية، ويوفر هذا التراث الطبيعي أحد أهم الموارد الاقتصادية المستدامة لصناعة السياحة.
حيث إن التراث الطبيعي عنصر جوهري في صناعة السياحة ودوره في إطار السياحة هو الجذب السياحي الذي يمكن تطويره للترويح عن الزوار والمقيمين والمساهمة في الاقتصاد المحلي دون الإضرار بالتراث الطبيعي كمصدر في حد ذاته أو التجمعات السكنية المحلية، وبمعنى آخر إدارة المورد السياحي والحفاظ عليه في إطار يحقق الفعالية والاستمرارية. وفي هذا السياق تولي المملكة اهتماماً بارزاً للمحميات الطبيعية لأهميتها في الحفاظ على الحياة الفطرية، وهناك العديد من المحميات التي تضم أنواعا نادرة من النباتات، كما توفر العديد منها بيئة ملائمة لإعادة توطين الحيوانات المهددة بالانقراض.

 
وتأوي هذه المحميات أنواعاً مختلفة من الكائنات النادرة، كما تلعب دورًا في إنتاج وتوليد السلالات المهددة بالانقراض، وإعادة إطلاقها في البيئة الطبيعية الملائمة لها.
ومن المحميات الطبيعية التي تقدم تجربة سياحية واسعة لاستكشاف الحياة النباتية والحيوانية النادرة، محمية “سجا وأم الرمث”، الواقعة في المنطقة الغربية الوسطى، وتمتد على مساحة 6528,2 كيلومترًا مربعًا، وتمتاز بغطاء نباتي متوسط يساعد في حفظ الأصول الوراثية لبعض الثدييات والطيور والزواحف المتوطنة والنادرة في المحمية.
ومن أهم الانطباعات السياحية المترسخة عن محمية “سجا وأم الرمث”، هو تباين بيئتها بين التلال المنخفضة قليلة التموج، والسهول المكشوفة، والأودية التي تسودها نباتات الثمام وأشجار الطلح والسمر ونباتات الحنظل والحرمل، وقد أطلق فيها أعداد محدودة من طيور الحبارى لكونها امتدادا طبيعيا لانتشارها بين محمية محازة الصيد ومواطن تكاثرها الأخرى، وللمعلومية التوثيقية فقد أنشئت هذه المحمية في الأساس لإعادة توطين الحباري الشرقية والمها والنعام.


عروق بني معارض
تقع “محمية عروق بني معارض” على طول الحافة الجنوبية الغربية من الربع الخالي؛ وهي أكبر بحر من الرمال على وجه الأرض، وتحافظ على طيف متنوع من الحياة الفطرية وأروع المشاهد الطبيعية الصحراوية، وتتراوح درجات حرارة المحمية في فصل الشتاء بين 10 و25 درجة مئوية، وتحتضن محميات مخصصة للحفاظ على الثروات الحيوانية النادرة مثل غزال الريم العربي والنعام وغزال الجبل، وغيرها، بالإضافة إلى عدد من الشجيرات المعمرة والنادرة في هذه المنطقة تحديداً.
أما محمية جزر فرسان فتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من ساحل البحر الأحمر، وهي عبارة عن أرخبيل يضم أكثر من 170 جزيرة، تبعد من 40 إلى 90 كيلومتراً عن مدينة جازان، وللمنطقة مجموعة فريدة من المقومات الأحيائية مثل “الغزال الفرساني”، والأحياء النباتية التي تضم ما يزيد عن 180 نوعاً، وبعضها لا يتواجد إلا في هذه المحمية، بالإضافة إلى 50 نوعاً من المرجان الكثيف، و230 نوعاً من الأسماك.


بينما تقع “محمية سجا وأم الرمث” في المنطقة الغربية الوسطى من المملكة، وهي سهل رملي رقيق التموج ذو تلال طينية وصخرية ورملية، اشتهرت كموقع لإعادة توطين الحبارى والمها والنعام، وتتراوح درجات الحرارة بهذه المنطقة بين 9 و23 درجة مئوية في فصل الشتاء، وتتميز بغطائها النباتي المتوسط الذي يساعد في حفظ الأصول الوراثية للثروات الحيوانية والطيور النادرة.
وفي السياق نفسه تزايد الإقبال بشكل لافت على زيارة محمية «جزر فرسان»؛ وأكد عدد من المرشدين السياحيين الأهمية السياحية لإدراج المحمية ضمن وجهات السياحة ، وقال المرشد السياحي بجازان وعضو الجمعية السعودية للإرشاد السياحي عبدالله الرفاعي، إن إدراج الهيئة لمحمية «جزر فرسان»، أكمل منظومة التجارب السياحية من خلال البيئات الثلاث الجبلية والبرية والبحرية، والانتقال بينها خلال ساعة واحدة فقط؛ ما يعني التحول من الأجواء المعتدلة إلى الباردة، وهو ما يُسهم في عكس انطباعات إيجابية عن «السياحة الفرسانية» الملقبة بـ«أميرة الشتاء» وكنز «المستقبل السياحي».

ويرى الرفاعي أن باقة «يومين سياحيين» هي المناسبة للمجموعات العائلية من أجل زيارة المحمية واكتشاف الثروات الحيوانية والنباتية النادرة فيها، وتعزيزها بتجارب الرحلات البرية والتخييم، والغوص، والسباحة والغطس، وزيارة المواقع الأثرية مثل بيت الرفاعي والمسجد النجدي وغابات القندل.
وتتميز الجزر بالمياه فيروزية اللون؛ لذلك فهي تجربة مفضلة لمحبي الغوص وصيد الأسماك، وتُعرف بـ«تنوعها الأحيائي» الكبير الذي يميزها عن بقية المحميات الأخرى، فهي تحتضن ما يزيد على 230 نوعًا من الأسماك، والكثير من الأحياء البحرية الفطرية المهددة بالانقراض، وتضم نحو 50 نوعًا من المرجان، وتتميز بالأعشاب والطحالب البحرية وغابات القندل والقرم، والتي تعد بمثابة حاضنات لصغار الأسماك والقشريات.


وتحتضن جزر «الأرخبيل» أكبر تجمُّع من ظباء الإدمي، وهي أحد أهم الممرات لهجرة الطيور، كما تحوي نحو 165 نوعًا من الطيور، وأكبر تجمعين لطيور البجع الوردي الظهر في البحر الأحمر، وطيور العقاب النسارية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وما يزيد على 180 نوعًا من النباتات، ويقتصر وجود أربعة منها في المملكة على جزر فرسان.
المحافظة على التنوع البيولوجي تُعرف السياحة البيئية، وفقاً للأمم المتحدة، بأنها أحد أنواع السياحة المستدامة التي تسهم في الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي، وشهدت نمواً كبيراً خلال العقدين الأخيرين؛ كونها تستهدف فئة السائحين الذين يبحثون عن رحلات سياحية تُسلط الضوء على أهمية المحافظة على البيئة قدر الإمكان، واستدامة البيئة البحرية والساحلية والبرية، والمحافظة على التنوع البيولوجي في المحميات الطبيعية، وتنمية الحياة الفطرية، وتشجيع التنوع السياحي.


ومن الحيثيات المهمة في هذا الإطار، أن تفعيل الهيئة السعودية للسياحة، لـ”سياحة المحميات الطبيعية”، يتوافق مع الجهود التي تبذلها منظمة السياحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وأمانة اتفاقية التنوع البيولوجي لتشجيع السياحة البيئية والسياحة المستدامة في جميع أنحاء العالم، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والاستخدام المستدام للمحيطات والبحار والموارد البحرية والبرية، والنهوض بالثقافات المحلية.
مما يذكر أن الهيئة السعودية للسياحة دشنت موسم “الشتاء حولك” في أكثر من 17 وجهة محلية؛ لتقديم ما يزيد على 300 باقة وتجربة سياحية، من خلال أكثر من 200 شركة من منظمي الرحلات والمشغلين السياحيين؛ لاكتشاف ما تحويه مناطق المملكة من تنوع جغرافي ومناخي جاذب خلال فصل الشتاء، يتراوح بين الأجواء المعتدلة اللطيفة والباردة، إلى جانب الاستمتاع بالأنشطة السياحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *