هو طبيب حقق شهرة في تخصصه وذاع بين المرضى صيته.. حباه الله إنسانية قربته من مرضاه، وفتحت قلوبهم له، وجلبت ثقتهم فيه، ثقة لا حدود لها في زمن عزت فيه الثقة.. مواقفه الإنسانية كثيرة.. يصل إليه المريض محولاً من لجنة طبية قررت إجراء عملية أو عمليات له، ثم يطلب المستشفى موافقة شركة التأمين على تحمّل التأمين تكاليف العملية أو العمليات الجراحية.. فتأتي موافقة شركة التأمين.
يصل المريض إليه.. يفحصه، يدقق في حالته.. ويصل في قرارة نفسه إلى يقين أن المريض لن يستفيد من العملية الجراحية، أو على أقصى تقدير يرى هذا الطبيب أن نسبة تعافي المريض ستكون محدودة جداً لا توازي خضوعه للجراحة وتخديره.. يصارح الطبيب مريضه برأيه هذا، ويشرح له بكل أمانة وإخلاص أن العملية لن تعيد إليه بصره كما يتمنى المريض وكما يأمل الطبيب..
يحدث هذا على الرغم من أن العملية مغطاة بالكامل من شركة التأمين.. يقول الطبيب (وهنا مربط الفرس، وهنا منتهى الأمانة وقمة النزاهة).. هل تصدق أني أتعرض بسبب هذا الموقف للوم الزملاء واستغرابهم.. يضيف الطبيب: زملائي يرون أنه مادامت العملية الجراحية مغطاة من شركة التأمين فإن علينا إجراءها، سواء استفاد المريض منها أو لم يستفد فهذا شأن آخر.. ووفق هذا المنطق (أي منطق الزملاء) على الطبيب جلب مزيد من المال للمستشفى والحصول على نسبة الطبيب منه، وما عدا ذلك ليس مهماً (في نظرهم)..
يمضي الطبيب في سرد حكايته: هل تصدّق أني أتوقف عن إجراء عملية في عين مريض إن رأيتُ أنه لن يستفيد منها حتى لو كان من سيدفع التكلفة ليس المريض بل شركة التأمين.. وفي زمن طغت فيه الماديات.. وتفشى الجشع فإن هذا الطبيب قدّم الرزق الحلال على غيره، وقدّم مخافة الله على ما سواها.. وقدّم أنموذجاً يحتذى في الأمانة والصدق والنزاهة.. فهنيئاً له ما حباه الله به.. ويا لها من سعادة في الدنيا، وفوز في الأخرى.
ogaily_wass@