جدة – ياسر بن يوسف
كشف وزير العدل، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، عن صدور توجيه كريم يهدف إلى تعزيز موثوقية الصكوك، يتضمن أن أي صك عقاري مستند على مخطط تنظيمي معتمد لا يوقف ولا يلغى، فأي صك اعتمد على مخطط تنظيمي صادر من الجهات المختصة، لن يتم إيقافه ولا إلغاؤه، مع مساءلة المساهم في هذا الخطأ؛ سواء كانت المسؤولية جنائية أو مدنية أو حتى تأديبية.
وقال: “يرجع على الشخص الأول الذي ساهم في إصدار هذا الصك، دون حسني النية، الذين وصلهم التداول بطريقة صحيحة، وهذه النظرة هي المفهوم الحقيقي لعدم مساءلة حسني النية تجاه تصرفاتهم الصحيحة، التي كانت محل اهتمام من المقام الكريم، ومن سمو ولي العهد ـ حفظهما الله ـ بحيث نضمن أن حسنَ النية لا يتضرر، وحقوقه يحافظ عليها، وكذلك من ساهم بفساد لن ينجو، ولا شك أن ذلك سيرفع من موثوقية الصكوك بشكل كامل في الفترة القادمة.
ولفت الصمعاني، النظر إلى مبادرة رقمنة الثروة العقارية التي تقدر بأكثر من 100 مليون وثيقة عقارية، أنجز منها الآن 10 ملايين وثيقة، وبصدد إكمال المتبقي، وذلك في سياق مشروعات الوزارة لتعزيز موثوقية الصكوك، كاشفا عن إطلاق “البورصة العقارية” وهي مشابهة لبورصات المال بحيث يتم تداول الملكية العقارية من خلال بورصة ومنصة رقمية متكاملة تضمن دقة المعلومة وثقة الصكوك المتداولة فيها، وأيضاً سرعة تبادلها.
وأكد وزير العدل، خلال استضافته في برنامج ” في العلن” على القناة السعودية الأولى، أن حديث ولي العهد، كان بمثابة إعلان عن تحول ونقلة تاريخية لتطوير البيئة التشريعية بالمملكة، مبينا أن إعلانه تضمن تصحيحًا لبناء منهجية التشريعات من خلال الاعتماد على المرجعية الثابتة للمملكة بالاستناد إلى أحكام وقواعد ومقاصد الشريعة الإسلامية، والأخذ بأحدث النظريات القانونية ومعايير حقوق الإنسان، التي تضمن تحقيق العدالة.
وأوضح الدكتور الصمعاني، الفرق بين الاجتهاد القضائي والسلطة التقديرية للقاضي، فالأول يتعلق باختيار الحكم الملائم للواقعة، وهذا سينتهي تمامًا، وسيكون القاضي معنيًا بتطبيق النص القانوني على الواقعة، أما السلطة التقديرية فهي أداة من أدوات القانون تتعلق باختيار بعض التقديرات التي سنّها القانون وأثبتها، كتقدير التعويضات أو اختيار الحد الأعلى والأدنى بين العقوبات، كالنص على الظروف المشددة والظروف المخففة وكلها في قانون العقوبات.
وأعطى الدكتور الصمعاني ملامح عن مشروع نظام الأحوال الشخصية؛ منها استدامة الرابطة الأسرية وكيان الأسرة متى التقت إرادة الزوج والزوجة، فإذا التقت إرادتهما باستدامة هذا النكاح، فمشروع نظام الأحوال الشخصية يسعى إلى تثبيت هذه العلاقة، ورعاية مصالحهم مع مصالح الأطفال، وإذا كان هناك خلاف حول الاستمرار في العلاقة الزوجية، فقد نظم تفاصيل هذا الانفكاك بما يراعي مصلحة الأطفال بالمقام الأول في قضايا النفقة والحضانة والزيارة، وبما يراعي حقوق الزوجين، كما تضمن مشروع النظام ترسيخ اعتبار إرادة المرأة من بداية عقد الزواج إلى نهايته، وكذلك تنظيم قضايا العضل، ورتب جزاءً مدنياً متعلقاً بالتعويض في حال الإخلال ببعض الحقوق والواجبات كتأخير إثبات الطلاق أو الرجعة من قبل الزوج.
وحول نظام العقوبات، ذكر وزير العدل أن النظام سيرسخ مبدأ شرعية العقوبات، بمعنى أنه لن يكون هناك فعل مجرم إلا المنصوص عليه في هذا النظام أو الأنظمة ذات الصلة، وكذلك لن تكون هناك عقوبات توقع من القضاء، إلا ما نصّ عليها النظام، كذلك أقر العقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية، وراعى معايير حقوق الإنسان في جميع الاعتبارات، وركز على التشديد في الجرائم المتعلقة بالأسرة والطفل، وبين حدود الجريمة وأركانها وموانع المسؤولية والظروف المشددة والمخففة للعقوبة.
وشدد وزير العدل على أهمية مرحلة التطوير القضائي القادمة التي سيتم التركيز خلالها على الجودة الموضوعية لاسيما في مجال الترافع وترسيخ الضمانات والعناية بجودة المخرج القضائي، بحيث يكون الحكم القضائي يحمل دليل صحته بنفسه، ويكون باعثاً على الاطمئنان. وقال: “هناك جهود كبيرة جداً من الزملاء القضاة، وكذلك المحامين في الترافع، لكن أحياناً قد لا تظهر بالشكل المناسب لكثرة الأعباء الأخرى؛ مثل الأعباء الإدارية وأعمال الإدارة القضائية، ولذلك هناك جانب من جوانب القضاء المؤسسي نؤكد على ترسيخه والاهتمام به خلال الفترة المقبلة وهو إنشاء المكاتب الفنية والمراكز التشغيلية المساندة”.
واستطرد قائلا: “التقاضي الإلكتروني الذي أطلق في ظروف الجائحة كان بحاجة لمزيد من الوقت واعترى تطبيقه بعض الإشكاليات التشغيلية، لكن هذا العام سنتجاوزها وسنصل إلى تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي، ولدينا مشروع المحكمة النموذجية وهو انعكاس تشغيلي لجميع مبادرات الوزارة، وسيتم خلال هذه السنة إطلاق نظام إدارة القضايا المتكامل بشكل شامل لمحاكم الاستئناف ومحاكم الدرجة الأولى وستكون الإجراءات رقمية وواضحة وميسرة للمتقاضين”.
ولفت الصمعاني، النظر إلى أن نظام التوثيق رسخ مفهوم العدالة الوقائية باعتباره أحد أدواتها القانونية، وذلك من خلال العديد من الإقرارات والعقود إذا كانت بموجب نظام التوثيق وبموجب نظام التنفيذ، فهي تأخذ صفة السند التنفيذي وتنفذ مباشرة دون الحاجة إلى عرضها على القضاء وإنما تنفذ من محاكم التنفيذ بشكل مباشر. وتابع: “لذلك منذ بدء سريان نظام التوثيق، كافة العمليات الخاضعة للنظام بدأناها رقمياً بشكل كامل ودون الحاجة لمراجعة كتابات العدل، وسيتم في القريب العاجل إطلاق منصة (توثيق) وهي منصة رقمية سيتم توثيق العقود والإقرارات كافة من قبل المستفيدين بشكل مباشر وانتقالها أيضا مباشرة إلى نظام (تنفيذ) الإلكتروني وتنفيذها دون الحاجة لمراجعة كتابات العدل أو محاكم التنفيذ”.
وفيما يخص التقدم الرقمي في قطاع التوثيق، قال: صدرت أكثر من 4 ملايين وكالة إلكترونية منذ إطلاق الخدمة، كما وصل التداول في خدمة الإفراغ العقاري الإلكتروني إلى أكثر من ملياري ريال بعدد أكثر من 25 ألف عملية، وسيتم إطلاق 75 خدمة إلكترونية في مجال التوثيق، ولن يضطر أي شخص أن يراجع كتابات العدل من أجل إتمام عملية توثيقية في نهاية هذا العام، وإن تطلب النظام الحضور سيكون عبر الاتصال المرئي، وسنطلق أجهزة الخدمة الذاتية التي ستكون بمثابة تشغيل رقمي متواجد في الأماكن العامة”.
وكشف وزير العدل عن دراسة لتحديث نظام التنفيذ من الناحية القانونية والأخذ بالاعتبارات المتعلقة بالدائن والمدين كافة فهناك مسؤولية على الدائن وعلى المدين، وهناك التزامات نظامية على المحاكم في هذا الشأن، وتابع “في هذا السياق هناك تطوير وتحديث لنظام (تنفيذ) الذي سيضمن وجود إجراءات لمسألة تتبع الأموال وزيادة الربط الإلكتروني لعدد من الجهات، فلدينا الآن ربط إلكتروني مع أكثر من 50 جهة، وخلال نهاية هذا العام سنطلق محكمة تنفيذ افتراضية بشكل كامل من بدء تقديم الطلب إلى تنفيذه، وسنستغني عن التحصيل بالشيكات وسيكون بالوسائل الإلكترونية الكاملة”.
وحول تطوير مهنة المحاماة، نبه وزير العدل إلى أنه خلال الفترة المستقبلية مع صدور التشريعات سيكون دورهم أكبر، وهناك سعي من الوزارة ومن هيئة المحامين إلى تفعيل دور المحامي وتمكينه.