متابعات

الدرعية ملامح بطولية خلّدها التاريخ

جدة – البلاد

حينما يتجول الإنسان في الدرعية يستعيد في ذاكرته أصالة المكان وعراقته والأدوار التاريخية التي لعبتها ومن ثم عودتها من جديد لتأخذ مكانتها الطبيعية في تاريخ الدولة السعودية، ويزخر تاريخ الدرعية بملاحم بطولية، وماضٍ تليد ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ومهد انطلقت منه الدولة السعودية.

وتخليدًا لهذه الملاحم البطولية التي اضطلعت بها الدرعية بدءًا من تأسيس الدولة السعودية الأولى حتى العصر الحاضر، جاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالدرعية، إذ ركز الجهود من أجل الارتقاء بها وإعادة تأهيلها. تقع الدرعية شمال غربي العاصمة الرياض ويعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر للميلاد، وتمثّل أهمية تاريخية بارزة كونها مهد انطلاق الدولة السعودية الأولى ورمزاً لجمال وكرم المملكة العربية السعودية وشعبها الأصيل.

ولم يعد “حي الطريف” يسكن حدود ذاكرة المجتمع السعودي بل ذاع صيته في العالم بعد تسجيله في قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي عام 2010م لينضم إلى خمسة مواقع سعودية مسجلة في المنظمة، فهو نافذة تاريخية لزائري الرياض للاطلاع على أطلال الدولة السعودية، والتعرف على أمجادها في واقع يُحاكي ما حدث في زمن الدرعية القديم.
حي طريف

وخلال فترة ازدهار الدرعية كعاصمة للدولة السعودية الأولى كان حي الطريف التاريخي مقراً لحكم الدولة، ويضم الحي حالياً عدداً من المتاحف أبرزها متحف الدرعية الذي يقدم عرضاً لتاريخ وتطور الدولة السعودية الأولى من خلال الأعمال الفنية والرسومات والنماذج والأفلام الوثائقية ومتحف الخيل العربي والمتحف الحربي، وجامع الإمام محمد بن سعود “الجامع الكبير”، وكان أئمة الدولة يؤمّون الناس فيه لصلاة الجمعة.

ويتميز حي الطريف بآلاف الأمتار المربعة من المساحات الخضراء، وبظل آلاف الأشجار المحلية وأشجار النخيل المميزة التي تنتشر على ضفاف وادي حنيفة، وبممرات وأرصفة مصممة بطرق عصرية تساعد على المشي.

نشر العلم
ويقع على مرمى حجر من حي الطريف على الضفة الأخرى من وادي حنيفة “حي البجيري” التاريخي المعروف تاريخيًا بنشر العلم، ويتميز حالياً بمراكزه التجارية، والمقاهي، وأماكن التنزه المفتوحة، ويخضع الحي حالياً لأعمال تطويرية ضمن مشروع تطويري ضخم يهدف إلى جعل الدرعية أيقونة تاريخية وثقافية وسياحية وأحد أهم أماكن التجمع في العالم. وتُشرف على الدرعية أيقونة التاريخ السعودي هيئة تطوير بوابة الدرعية التي تأسست عام 2017م، وتعمل الهيئة على تطويرها لاستقبال الزوار مستقبلاً، بالإضافة إلى القيام بمشاريع متعددة أهمها مشروع “بوابة الدرعية” الذي افتتحه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – في شهر نوفمبر عام 2019م.


راية التوحيد
والدرعية خلَّد التاريخ اسمها بأفعال وشجاعة رجالها وبوفاء وكرم أهلها وببطولات أئمتها وملوكها حتى أصبحت موطناً للفخر والشهامة ورمزاً للعزة والكرامة. رفع الله مكانتها بين الأوطان وأعلى شأنها سبحانه بين الأمم عندما رفع أئمتها وملوكها راية التوحيد وعملوا على نشر رسالتها الخالدة والدعوة إليها حتى أصبحت ظاهرة بين الأمم. مكّن ألله أئتمها الكِرام وملوكها الأبرار من جمع كلمة المسلمين وكتب لهم القبول في قلوب الناس وعقولهم، واختارهم الله جل شأنه لخدمة بيته الحرام ومسجد رسوله الأمين لعِلمهِ سبحانه وتعالى بصِدق نيتهم ونقاء سريرتهم وعدالة حكمهم. حفظها الله من كيد الظالمين ومن مؤامرات المعتدين ومن خيانة الخائنين سواء كانوا قريبين طامعين أو عجماً حالمين؛ وأعز الله بها الإسلام والمسلمين حتى عاد لمكانته التي كان عليها في عصر الإسلام الأول طاهراً نقياً محارباً للبدع والضلالات. إنها معلومة لمن علم التاريخ وأحداثه الجسام، ومعروفة لمن عرف سادة العرب وكِرامها، ومشهودة لمن شاهد راية التوحيد عالية عزيزة بين الأمم؛ إنها الدرعية ميدان الحكمة والشهامة وصدى العروبة والشجاعة ومنطلق دعوة التجديد للعودة لأصل الدين الإسلامي الحنيف. كما أن الدرعية ليست اسماً عابراً يمكن تجاهله، ولم تكن مكاناً خالياً هيّناً يسهل العبور فوق أرضه، ولم تكن موطناً لأصحاب القلوب الضعيفة والعقول الخاوية. فمن أرضها العزيزة انطلقت دعوة التجديد للعودة للدين الإسلامي الحنيف حتى عمَّت بخيرها وصدق رسالتها أرجاء المعمورة؛ وتحت راية أئمتها الكِرام وملوكها الأبرار تأسست دولة عربية عزيزة نادت بعزة العرب وسيادتهم، ورفضت هيمنة العجم الحاقدين المعتدين حتى أصبحت رمزاً للشجاعة والإباء وموطناً للعزة والكرامة؛ وبفضل حكمة ملوكها وحسن تخطيط قادتها وبُعد نظرهم وسليم تفكيرهم تحولت أراضيها المترامية مدناً حديثة عمَّت فوق ربوعها التنمية الشاملة حتى ارتقى شأنها بين الأمم وأصبحت واحدة من أكبر اقتصادات دول العالم العشرين.

وجهة سياحية عالمية

يهدف المخطط الرئيسي لبوابة الدرعية الذي أسس له خادم الحرمين الشريفين بقيمة 64 مليار ريال، إلى بناء مجتمع حضاري تقليدي متعدد الاستخدامات يحتفي بالتاريخ الثقافي العريق للمملكة العربية السعودية، ممتداً على مساحة سبعة كيلومترات مربعة بحيث يوفر المخطط خمسة أماكن مميزة للتجمع والاستكشاف، تشمل: «ميدان الملك سلمان» الذي يقع في الجهة الشمالية ويمثل أكبر منطقة للتجمع في بوابة الدرعية، «مدرج سمحان» في منتصف الطريق الممتد على طول الجرف، بجوار منطقة التجزئة على الجانب الغربي لبوابة الدرعية، «ميدان النصب التذكاري لأبطال المملكة» يتوسط بوابة الدرعية ليربط بين شرق وغرب البوابة ويجاور منطقة أنماط الحياة الجديدة، «ميدان المسجد» على طول الطريق المعبد ويمثل نقطة الوصول إلى مسجد الملك سلمان، «ميدان القرية التاريخية» في الطرف الجنوبي للقرية التاريخية. وستمنح الأماكن والشوارع والبوابات والأبراج والساحات أسماء مستوحاة من الشخصيات التاريخية الشهيرة والملوك والأبطال احتفاءً بإرثهم العريق.. ويحد الجرف الطبيعي حافة الهضبة المرتفعة ليضيف عنصراً من الجمال إلى بوابة الدرعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *