الإقتصاد

اقتصاد بعبق الورد

جدة – البلاد

عنوان للمحبة ولغة المحبين… عطره مميز، وأشكاله وألوانه تبعث البهجة، تمامًا كزراعته وصناعته يقوم عليها عشاق له. كلٌ منهم فنان في تخصصه وفي التعامل معه. إنه الورد الذي يسطر في حياة البشر قصصا معطرة، مثلما يعد للعديد من الدول اقتصادًا متجددًا؛ حيث لاتنضب أسواق في العالم من أنواع الورد وعطره.

وتعد المملكة واحدة من الدول الأشهر في زراعة الورد، ومنتجاته العطرية التي تغذي أسواقها المحلية، من الطائف إلى تبوك وغيرها من المناطق التي تحتضن مزارع ومعامل الورد، وتنافس في أسواق العالم؛ شرقه وغربه، وهاهو الورد السعودي على موعد قريب مع طفرة غير مسبوقة، أعلنت عنها وزارة البيئة والمياه والزراعة قبل أيام قليلة، بخطط لرفع إنتاج الورد الطائفي، من 500 مليون وردة إلى ملياري ورد سنويًا، في إطار برنامج التنمية الريفية المستدامة، الذي بدأته الوزارة، ويسعى إلى تنمية زراعة الورد واستثماره في صناعات تحويلية واسعة المجال.

منذ زمن عدده بالقرون، اشتهرت الطائف بزراعة الورد، واقترن بها اسمه (الورد الطائفي) الذي بلغ الآفاق في حركة تجارة الورد العالمي، وتعرفه جيدًا أسواق ومصانع العطور في آسيا وأوروبا؛ حيث تستقبل الطائف الكثير من خبراء صناعة ماء الورد وعطوره ومنتجاته التي تنوعت مع كل تقدم في استثمار المشتقات العطرية. وللورد الطائفي نصيب من السياحة الداخلية، ومن الخارج خلال مواسم التزهير والجني، وكذلك يحرص الكثير من الدبلوماسيين المعتمدين في المملكة على التمتع بالبساط الزهري الأجمل الممتد على مدى النظر، وزيارة مصانع ومزارع الورد؛ للوقوف على طريقة قطفه وتقطيره واستخراج الدهن والماء منه، مستمتعين بعبقه في أجواء البرودة المعتدلة والطبيعة الجبلية الخلاّبة في الطائف المأنوس.

بساط الورد
اعتدال مناخ الطائف جعلها البيئة الأنسب لزراعة الورد؛ حيث تتراوح درجات الحرارة خلال الفترة بين الشتاء والصيف بين 13 و23 درجة مئوية، إلى جانب تميزها بوفرة المياه من العيون والسدود، وتحتضن في الوديان وعلى السفوح وقمم جبال السروات أكثر من 2000 مزرعة للورد منتشرة في مناطق الهدا ووادي الأعمق ووادي البني ووادي محرم والشفا والمخاضة وغيرها . ويعمد البعض من المزارعين إلى تسويق الورد على أشكال مختلفة بالأسواق المحلية، فيما يقوم البعض الآخر باستخراج مائه ودهنه ومنتجاته الأخرى في معامل خاصة لهذا الغرض. وعادة مايتزامن موسم زراعة الورد الطائفي مع فصل الشتاء، وتحديدًا من نهاية شهر ديسمبر وحتى بدايات شهر مارس من كل عام.

وينتهي موسم القطاف مع نهاية شهر أبريل، وطوال تلك الفترة تكون الطائف من أكبر معارض الورد المفتوحة؛ حيث يفوح عبقه إلى مسافات بعيدة، وهنا يلفت المزارعون إلى أهمية سرعة جني الورد بعد إطلالته؛ حفاظًا على المادة العطرية أو الدهنية التي بطبيعتها سريعة التبخر مع الحرارة، ويلزم أيضا التعامل معه بحذر مع الورد، نظرًا لحساسيته. وعلى الطريقة التقليدية للمزارعين، يتم وضع المحصول في نسيج قماشي مبلل يسمى الخيش، حتى يوفر درجة البرودة اللازمة، وليس في أكياس، أو حافظات بلاستيكية تعرضه للتلف.

ميزان الألف وردة
مثل كل تجارة لها موازينها وحسابات عددها، يتم احتساب الكمية من منتج الورد بواسطة ميزان من كفتين؛ الأولى تسمى “مرجع” ويوضع بها ألف وردة من المنتج، وعلى أساسها تكون الكفة الثانية موازية لها بألف وردة للبيع، ويتم حساب السعر بحسب الموسم وطبيعة السوق، حيث يصل المتوسط إلى نحو 60 ريالًا بين زيادة ونقصان للوزنية الواحدة المكونة من ألف وردة.

تولة العطر
يمثل تصنيع الورد وتقطيره عملية دقيقة باعتبارها الحصاد، وتقوم على خطوات محددة ودقيقة، عقب تسلم المحصول من المزارعين .
الخطوة الأولى للتصنيع تبدأ يوضع الورد في قدور نحاسية مغطاة بإحكام لبدء عملية التقطير، وتستمر فوق نار هادئة لمدة تتراوح بين 10 إلى 12 ساعة، مع وجود منفذ لتنسيم البخار الذي يمر عبر أنابيب داخل برادات سيراميك تحتوي على ماء بارد، وعند مرور بخار الورد يتكثف على شكل قطرات.

في هذه المرحلة تتكون ثلاث منتجات؛ الأول ماء ورد عادي واستخداماته عديدة، والثاني ماء ورد مركّز، يسمى “ماء العروس”، ويخصص لاستخدامات البشرة، والثالث الفاخر، وهو عطر “دهن الورد” ، لتبدأ المرحلة النهائية بتعبئة المياه والدهن في عبوات زجاجية، يطلق عليها «تولة» تتسع لـ12 ملليلترًا، وقد تصل قيمتها إلى نحو 1500 ريال (400 دولار).
وتقدم الطائف نحو 40 منتجًا من صناعة الورد، ما بين دهن عطري ، وماء الورد، وبخور الورد، وخمرية الورد، والجل والصابون واللوشن، وغيرها من المنتجات التي يتم تسويقها داخل المملكة، ودول الخليج والدول الأوروبية.

نصيب تبوك
أيضا تشتهر منطقة تبوك بزراعة الورد، وعلى مدى نحو ثلاثة عقود، تصل منتجاتها الزهرية إلى أسواق أوروبا، وأمريكا، وآسيا، ودول الخليج، بواقع إنتاج سنوي يصل إلى أكثر من 19 مليون زهرة متنوعة بين زهرة القرنفل بمختلف أنواعه وألوانه، والورد، ويصدر منها حوالي 25% من الإنتاج السنوي إلى كل من هولندا وألمانيا، والتشيك، وبريطانيا، وقبرص، ولبنان، ودول الخليج العربي، وآسيا، وأسواق أمريكا اللاتينية. وبشكل عام ينافس الورد السعودي بقوة في أسواق العالم؛ حيث حققت صادرات المملكة في النصف الأول من عام 2020 ارتفاعًا في الكميات المصدرة بنسبة 19.6% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وذلك طبقًا لبيانات الهيئة العامة للجمارك، التي أوضحت أن صادرات المملكة من الورود الطبيعية والصناعية خلال الفترة من يناير 2019 وحتى نهاية مايو من نفس العام بلغت 41 طنًا، بينما بلغت صادرات الزهور خلال الفترة نفسها من العام 2020 49 طنًا، تم تصديرها إلى الإمارات والبحرين وعُمان والكويت والأردن. أما محليًا فيتجاوز حجم سوق تجارة الورود والزهور الطبيعية في المملكة 200 مليون ريال سنويًا؛ بسبب الطلب المتزايد على الورود وعطر الورد في مختلف المناسبات.

يازارع الورد

حظي الورد بحضور بلاغي في قصائد الشعراء بكل اللغات في العالم ، ومنهم الشعراء السعوديون، الذين أبدعوا في وصف ورد الطائف بشكل خاص ، كما شدا أيضا الفنان الراحل طلال مداح في أغنيته الشهيرة :

وردك يا زارع الورد
فتّح ومال على العود
كلّك ربيع الورد
منك الجمال موعود
وردك جميل محلاه
فتّح على غٌصنه
لما الندى حيّاه
نوّر وبان حُسنه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *