البلاد – مها العواودة
ظلت قصة علاقة الإنسان ببيئته التي نسج منها خيوط مسكنه، حكاية ترويها صناعة السدو واستخدام الصوف كجزء من أساس منزله، والتي تعتبر من الحرف القديمة التي برع فيها سكان الجزيرة العربية والبادية، متشكلة بألوانها العديدة وتشكيلاتها الهندسية الجميلة.
“البلاد” التقت بسيدتين من البارعات في صناعة السدو واللاتي اكدن أن تسجيل السدو ضمن التراث العالمي ترجمة لأهمية الفلكلور السعودي.
وفي السياق قالت وضحى البقمي إحدى البارعات في حياكة السدو إنها بدأت منذ الصغر وهي في سن السابعة، بتعلم حياكة السدو والخياطة: “لم تكن لدينا مدارس سوى البيت، وهناك كانت أمي تقدم لنا الإبرة والمخيط لنتعلم منها ونحاكي طريقتها في تتبع كل خطوة، حتى صرت متمرسة ولله الحمد، وصارت أمي تعطيني قطعة لأقلدها بألوان متنوعة”.
مؤكدة أن والدتها وجدتها كنّ مجتهدات في حياكة أغراضهن بالدرجة الأولى، وكان السدو حاضرا في حياتهم أكثر من هذه الأيام، وكان كل بيت يمتلئ بالقطع التي تزين المنزل وتتنافس الأمهات في ألوان ودقة تلك الأعمال.
وأشارت إلى أن اهتمامها في البداية كان انطلاقا من أنه موروث وتقليد للأجداد، ومع مرور الزمن وجدت نفسها تعتمد على بيع قطع السدو لتوفير المعيشة لأيتامها ولتعيش حياة كريمة.
وعندما أخبرتها بتسجيل حياكة السدو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في اليونسكو قالت :” هي مناسبة سعيدة نرجو أن تؤدي لمزيد من دعم السدو، فنحن نعتمد بعد الله على مثل مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل والتي تدعمنا بالمكان المناسب وتقديمنا للجمهور وإتاحة الوصول لهم”.
في حين قالت السبعينية مرزوقة العرماني التي تجيد حياكة السدو في منطقة القصيم والتي تعلمتها من والدتها وأخواتها وأصبحت هوايتها المهمة في حياتها حتى أصبحت مصدر دخل جيد لها بالتعاون مع الجمعية التعاونية متعددة الأغراض”حرفة” أنها علمت بناتها وحفيداتها هذه الحرفة للمحافظة على التراث السعودي.
من ناحية أخرى أوضحت المندوبية السعودية لدى اليونسكو أن السدو هو أحد الحرف التقليدية في المملكة والتي تظهر أهمية دور المرأة في المجتمع، وأن فكرة التسجيل جاءت بطلب من المجتمعات المحلية بتوثيق هذه المهارة القيمة التي تتقنها سيدات البادية حيث كن يقمن بصنع جميع احتياجات المنزل من سجاجيد ووسائد وقطع لحمل الأغراض وكزينة، حيث تم التواصل مع دول المنطقة و طلب مشاركتهم في الملف ليتم إعداده كملف مشترك أو متعدد الجنسيات وقامت دولة الكويت بالموافقة على ذلك.
وأشارت إلى أن الفرق في المملكة العربية السعودية و الكويت بدأت العمل على توثيق هذا العنصر حيث قام الفريق السعودي بالتجول بين مناطق المملكة، القصيم، الجوف، الدمام، وغيرها، والالتقاء بالنساجات و التعرف على جميع خطوات صناعة السدو من جز لصوف الماشية للغزل للصباغة و حتى الوصول لمرحلة النسيج ومن ثم المنتج النهائي، متعرفين أيضا على أسماء ومعاني الرموز التي يتم حياكتها، وقد تم جمع كل تلك المعلومات و توثيقها بالفيديو و الصور في الملف الذي قدم إلى منظمة اليونسكو لافتة إلى أنه بعد تسليم كل ملف، تقوم لجنة التقييم بدراسة المعلومات المقدمة بشكل كامل و تقديم توصياتها للجنة الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، ارتأت لجنة التقييم أن بعض المعلومات الواردة في النموذج غير كافية ولذلك تمت التوصية بإحالة الملف إلى الدولة لاستكمال هذه المعلومات، وقد عملت المملكة العربية السعودية ودوله الكويت على تقديم تقرير مفصل يوضح المعلومات المطلوبة، وتم رفع ذلك إلى الدول الأعضاء في اللجنة التي أكدت أن المعلومات وافية و بالتالي تم تسجيل الملف”.
مؤكدة أن الهدف من توثيق التراث الوطني هو حفظه للأجيال وتعزيز الارث الثقافي للمملكة مما يعزز الهوية السعودية وحس الانتماء لدى أفراد المجتمع، إضافة إلى أن تسجيل السدو من شأنه أن يعزز التواصل بين المجتمعات المحلية داخل المملكة وخارجها للحوار حول كافة أشكال التراث الحي وسبل توثيقها، خاصة وأن توثيقه يزيد الوعي الدولي بهذا العنصر ويساهم في ترويجه.
وعن نشاطات المملكة التي تهدف لتسليط الضوء على التراث محليا وعالميا مما يعزز فرص استمراره وضمان استدامته عبر الأجيال قالت المندوبية السعودية :” تقوم كافة القطاعات الحكومية وغير الحكومية في المملكة بجهود كبيرة في هذا المجال، وعلى سبيل المثال المشروع الذي تعمل عليه وزارة الثقافة “مشروع الأرشيف الوطني لتوثيق عناصر التراث الوطني” في كافة مناطق المملكة، كما تقوم منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص بالمساهمة في مبادرات من شأنها دعم بناء قدرات الممارسين لعناصر التراث”.