كم هو جميل أن تكون حاضراً في المجالس الحوارية ومستمعاً جيداً لما يدور فيها من مناقشات ووجهات نظر، كم هو آسر حديثك وأنت تنضح معرفة وتصدح ثقافة، كم أنت مقنع في طرحك وصادق في كلامك حين تبرهن على صحة أقوالك بالحجة والإسناد الصحيح، كم أنت متفهم لأدب الاختلاف ومتقبل لكل الأفكار حين لا تتعصب لرأي ولا تقلل من شأن أي رأي، يقول عالم الاجتماع علي الوردي: “إن المثقف هو الذي يمتاز بمرونة رأيه وباستعداده لتلقي كل فكرة جديدة وللتأمل فيها ولتملي وجه الصواب فيها “.
نعم لقد عُرِف المثقف بأنه الانسان الذي يعرف كل شيء عن شيء معين، ويعرف شيئا من كل شيء، أي هو الذي يملك اطلاعاً معلوماتياً مبنياً على القراءة والدراسة والتعلم ويقدم للناس وجهة نظر عميقة في كافة المجالات وفي شتى مناحي الحياة.
لقد سئمنا من المتنطعين في الحديث ومن أنصاف المتعلمين، من الذين يهرفون بما لا يعرفون، من الذين يروجون للأكاذيب ويكرسون ثقافة التفاهة والتسطيح. لقد صار الشأن العام تقنية استهلاكية، وصارت أخبار الفنانين ومشاهير الرياضة والإعلام هي المتسيدة للمشهد العام، هذا في الوقت الذي لا يؤتى على ذكر العلماء والمفكرين. لقد تصدعت الروابط الأسرية ونشبت الخلافات الزوجية بسبب الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي والتهاون في أداء الواجبات. لقد أصبح الحديث عن آخر صيحات الموضة في الملابس أهم من تعلم فن الخياطة والتفصيل. لقد أصبح الاندفاع نحو تناول وجبات الطعام الجاهزة أهم من التعرف على آلية تحضيرها والاستقصاء عن سر خلطتها. لقد أصبح الطفل يمكث ساعات طويلة على البلايستيشن بدل أن يحمل كتاباً يغذي فكره ويوسع مداركه، لقد ازداد وزنه مع الأيام وصار بديناً ولم يلق الذي يراقبه ويشفي علته.
كم هو عظيم أن تعرف أكثر، كم هو مؤثر في الناس أن تقدم لهم محتوى ثٍّراً ليس فيه لبس ولا غموض ، أن تعرف كيف تربي أبناءك وتعدهم لمستقبل أفضل ، أن تعرف كيف تتغلب على الغضب وتتخطى الصعاب ، أن تعرف كيف تسعف الناس وتترك بصمة في وجدانهم ، أن تعرف كيف تطوع التكنولوجيا لتكون في خدمتك وليست سبباً في اغترابك.
ولكي تعرف أكثر، لا بد أن تقرأ أكثر، وتطلع أكثر، وتحفظ أكثر، ولا بد أن تكتسب من خبرات الناس وتتعلم من تجارب الشعوب ، وأن تشاهد الكثير من الأعمال الفنية الملهمة ، وتحضر العديد من الأنشطة الثقافية الفاعلة.
قال تعالى : ” وقل ربي زدني علماً ” صدق الله العظيم.