اجتماعية مقالات الكتاب

لا أحد فوق “القانون”

عبد الله الاحمري

“المملكة لا تقبل فسادًا على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا فساد” هذه هي مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- التي تجسد أنه لا مكان للفساد في وطن قائم على شرع الله، ويحارب كل أشكاله ويسعى بكل الطرق لتجفيف منابعه باستنهاض همم أجهزة الدولة لمكافحته والوقاية منه .
بين حين وآخر، نقرأ ونستمع لقصص مرتبطة بالفساد ويتم الإعلان عنها رسميًا من الجهات المختصة في جميع قنوات الإعلام والتواصل الاجتماعي ، وفي الواقع فإن المتأمل في جميع هذه القصص سيجد أنها مرتبطة بالأموال والاختلاسات والتعدي على المال العام أو استغلال الوظيفة لتحقيق المصلحة الشخصية أو للإضرار بالمصلحة العامة.

ومنذ فترة، كشفت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد “نزاهة” عن العديد من القصص لأولئك الفاسدين، الذين ارتدوا ثياب النقاهة وبياض الوجه وتمكنوا من استغلال أسمائهم ومناصبهم في ارتكاب جرائم التجاوزات ضد الوطن، التي يقف أمامها المخلصون في حالة تعجب واستغراب من عدم مخافة الله وخيانة الوطن وموت وانعدام الضمير، ومنها : تورط أحد القضاة ووكيل إمارة منطقة في استخراج صكين غير نظاميين للاستيلاء على ١٦٩ مليون متر مربع، بإحدى المحافظات، وتورط ضابط برتبة فريق في الحصول على رشاوى بقيمة ٤٠٠ مليون ريال مقابل ترسية مشاريع لصالح بعض الشركات، وتورط أستاذ جامعي بتواطؤ موظف في إحدى المحاكم للتلاعب في مسار قضية ضد الأول، وتورط عضوين في النيابة العامة مع موظف بوزارة التجارة في طلب رشوة ٥ ملايين وثلاثمائة ألف ريال لإنهاء قضية منظورة لدى النيابة وفرع وزارة التجارة بإحدى المحافظات، واستغلال أحد المواطنين ثغرة في النظام الإلكتروني المستخدم واختراق الموقع الرسمي لـ (هدف) وتفعيل مستخدم جديد بصلاحيات مكنته من الرجوع لأوامر صرف قديمة سبق صرفها إذ قام بإعادة صرفها بعد تعديل أرقام الحسابات البنكية ووضع أرقام الحسابات البنكية العائدة للمنشآت التجارية المملوكة له ، حيث بلغ إجمالي ما حُوِّلَ (39.806.991) ريالاً خلال المدَّة (2018م-2020م)، ومن القصص أيضًا إيقاف أحد منسوبي هيئة مكافحة الفساد ورئيس قسم التعديات في بلدية إحدى المحافظات، ومواطن؛ وذلك لقيام الأول بالتلاعب بإحدى القضايا المتورط بها قريبه المواطن وموظف البلدية بهدف حفظها نتيجة لرجاء وتوصية ، وغيرها العديد من القصص.

كل هذه القصص ومثيلاتها تجسد مدى معصية الخالق، سبحانه وتعالى، وضعف الوازع الديني، وخيانة الأمانة أمام ولي الأمر، وأمام الوطن، الذي لم يهمل لحظة في تعليم الفرد وعلاجه ورفاهيته منذ الطفولة، إلى أن يصبح موظفًا ، ومن ثم يمتد عطاء الوطن إلى أن يصبح متقاعدًا وينال كل حقوقه المستحقة ، فكيف تتغلب هواجس الخيانة والاختلاس والاحتيال والسرقة أمام عطاءات الله، سبحانه وتعالى، وأمام كيان الوطن واهتمام ولاة الأمر الذين يسخّرون كل سبل الراحة والرفاهية والمعيشة من أجل المواطن.
لاشك أن هذه الفئات تستحق الاستجواب والعقاب بما أقدمت عليه مهما كانت مناصبهم أو وظائفهم ، ولنا قدوة وعبرة في كلمة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في حديث سابق له، عندما قال: “إن لم تكن مكافحة الفساد من أعلى رأس السلطة فمعنى ذلك أنك ليس عندك مكافحة فساد ، لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيا كان، سواء وزيرًا أو أميرًا، أيا كان”.

كل ذلك يؤكد أنه لا أحد فوق القانون، وأن عيون الرقابة مستمرة في رصد وضبط كل من يتعدى على المال العام أو يستغل الوظيفة لتحقيق مصلحته الشخصية أو للإضرار بالمصلحة العامة، وأن العيون الساهرة في مملكتنا الغالية ماضية في تطبيق ما يقضي النظام به بحق المتجاوزين دون تهاون.
والله من وراء القصد.
shahm303@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *