لا تكاد أن تذكر الغربة إلا ويقترن بها ألم الحنين؛ ويظل المغترب متوجداً على فراق داره حتى يعود إليها ؛ ولا يُغنيه عن ذلك معرفة الإنسان وألفة المكان ؛ فلا شيء يُعادل قيمة الأوطان ؛ وتلك الحقيقة التي يُدركها كل من تخيلها ؛ فكيف بمن يعيش تفاصيلها.
يؤلمنا أحياناً أن ننتقل من منطقة إلى منطقة ؛ رغم أننا في حدود واحدة، ولدينا من الإمكانيات ما يجعلنا نُعود؛ حيث كنا في أسرع وقت .. ويزيد ذلك الألم عندما ننتقل من بلد لبلد، فنجد أنفسنا نحِن إلى كل شيء ؛ حتى إن البعض منّا لا يستطيع أن يغيب عن بلده مدة معينة حتى وإن كان خروجه منها لغرض السياحة والترفيه.
ولكن بين زيارة وأخرى تختلف الظروف والإمكانيات ؛ فأن تذهب لغرض الترفيه ليس كأن تذهب لغرض البحث عن لقمة العيش ؛ وأن تستطيع العودة متى شئت ليس كمن لا يستطيع ؛ وحينها يكون شعور الغربة أقسى بمرات وتظل النفس مشحونة بالكثير من الألم !
ومن أمثال من يعيشون ذلك الألم من يعملون لدينا من سائقين وعمالة منزلية نراهم صباح مساء ؛ وقد لا نستشعر ما يمرون به من ظروف قاسية أتت بهم من بلدانهم البعيدة؛ ليحصلوا على أعمال يقتاتون منها وينفقون على أسرهم التي لا تملك عائلاً سواهم ؛ علاوة على ضعف الأمن الذي قد تعيشه بلادهم العزيزة.
إنها دعوة إلى مراعاتهم ؛ والتعامل معهم بما يستوجب لهم من حقوق آدمية لا نرضى نحن بأن نمنع منها في – أي – حال من الأحوال ؛ نعم عليهم واجبات يؤدونها، ولكن لنؤدي ما علينا حقوق لهم بما يرضي الله – عز وجل – ثم يجعلنا في رضاء تام عن أنفسنا.
فملاءمة المكان الذين ينامون فيه، وحصولهم على المأكل والمشرب والملبس والدواء دون تمييز وتصنيف ؛ إضافة إلى تلمس حاجاتهم ومواساتهم، فيما قد يمرون به من أحداث تؤلمهم، كلها حقوق يُفترض أن نؤديها على أكمل وجه؛ ولنتذكر دائماً بأن الإنسانية ليست كلمات تردد، وإنما مشاعر وسلوكيات تترجمها الأفعال.
البريد الإلكتروني :
szs.ksa73@gmail.com