يعد البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري واحداً من أبرز الأنظمة التي شهدتها مرحلة النهوض الحالية التي يعيشها الوطن. فالتستر داء ينخر في بنية اقتصاد البلد، ويستنزف المقدرات، كما أنه انتهاك تجاري وخطر أمني.
وإثر التنظيمات التي أُقِرت لمحاصرة التستُّر التجاري أو ما يعرف بـ “اقتصاد الظل” عمد المتسترون والمتستر عليهم إلى استكمال كل الإجراءات النظامية التي تحميهم من الانكشاف وبقي ما يسمى (شغل تحت الطاولة)، فالأموال صارت تذهب عبر نظام (مدى) البنكي للحساب البنكي لمتجر المواطن المرخص له نظاماً، ثم تأخذ طريقاً آخر إلى جيب الوافد الذي يُعد المالك الفعلي للمتجر أو المحل، ويتم هذا إما عن طريق التحويل البنكي عبر تطبيقات البنوك أو أن يسحب المواطن الأموال نقداً ويسلمها للوافد. كما صححوا طرق دفع رواتب العاملين وصارت تدفع من حساب المحل المرخص لحساب العامل، ولا نستبعد أن يكون الوافد هو من يدير فعلاً الحساب البنكي للمحل التجاري ويُجري كُل عمليات تحويل رواتب العاملين والدفع للموردين، وقد يحوّل المتبقي لحسابه هو.
إذن: أمام الجهات الرسمية تكون إدارة أموال المتجر والمحل نظامية بينما الأموال تذهب في الأخير بطريقة ما إلى جيب الوافد أو حسابه البنكي.
هنا نكون بحاجة إلى مزيد من محاصرة هذه الأساليب التي تبدو للوهلة الأولى نظامية بينما عملية التستر مستمرة وكل ما فعله المواطن المُتستِر والوافد المُتَسترِ عليه هو تحقيق كل شروط التوطين. وعندما تتجول في شوارع مدينة كبيرة كالرياض فإنك تعجب من أسماء بعض المحلات بخاصة المطاعم فهي تحمل أسماءً معروفة في دولة معينة في ظاهرة صارت ملفتة، وقد يكون هـذا أحد المؤشرات على أن المالك الفعلي للمطعم هو الوافد.
ويزيد تأكيد ذلك أنك تجد معظم (إن لم يكن كلهم) من جنسية واحدة. فهل تم هذا مصادفة؟ وما قصة أسماء كثير من المطاعم لبلدات أو أحياء في دولة بعينها؟ أليس مؤشراً على أن المالك الفعلي للمطعم هو الوافد، حتى لو كانت كل الأوراق نظامية؟ خُذ مثلاً: بقالة أو تموينات تفتح بعد صلاة الفجر مباشرة وتستمر إلى منتصف الليل والعاملون هم أنفسهم يداومون 18 ساعة يومياً وكلهم من الجنسية نفسها. فهل يُعقل أنهم يعملون كل هذه الساعات بالراتب؟!! من يعملون دون تستر وبالراتب تلاحظ أن عملهم بنظام الشفتات، تعمل مجموعة ثماني ساعات ثم تأتي غيرها. وعلى مدى سنوات بُذلت جهود كبيرة وسُنت تشريعات وأنظمة لمحاصرة التستر التجاري ومازلنا بحاجة لمزيد من ذلك. ومع اتساع رقعة المملكة وصعوبة إيجاد عددٍ كافٍ من المراقبين في كل مدينة وقرية، فإن إشراك المواطن في كشف التستر سيكون له أبلغ الأثر في محاصرة هذا السرطان الاقتصادي. وسيكون المواطن مستعداً إن وجدَ نظاماً للتبليغ سهلاً وميسراً ولا يحمّله تبعات، بل يكون التبليغ معلومة أولية تعمل الجهات المختصة عـلى التأكد منها بطرق معينة فإن تأكدت مضت في إجراءاتها.
ogaily_wass@