متابعات

لا رقية بلا ترخيص

جدة ـ رانيا الوجيه ـ مكة المكرمة ـ احمد الأحمدي ـ أبها ـ مرعي عسيرى

ماذا يحدث في عالم الرقية الشرعية التي اساء اليها بعض المخالفين؟ والأفدح دخلاء وجهلة ورقاة استثماريون؟
هذا السؤال العريض يطرحه واقع يقول انه تم ايقاف 15 راقيا في عسير لتجاوزهم ضوابط الرقية الشرعية. وفي جدة تم ضبط راقية بدون ترخيص في حوزتها مبالغ طائلة وتطلب من المترددين عليها طلبات غير شرعية ولديها في قائمة الانتظار 80 حالة. اما أم ناصر فقد ضربها الراقي واجبرها على شرب مادة نتنة لتكتشف في النهاية انه تاجر عسل يروج لبضاعته .. ومن رقى آل احمد كتب له وصفة بــ2000 ريال يشتريها من مركز اعشاب يمتلكه الراقي ولما حال ضيق ذات اليد بينه وبين شرائها شفى بدونها. وام صبا اتجهت بوجعها الى راقٍ مشهور على ابوابه زحام كبير انفض بالقبض عليه.

الحكاوي كثيرة والارقام – حسب المتحدثة باسم ادارة الدعوة في جدة – تقول ان 60 % من الرقاة – ذكورا واناثا – مخالفون. (البلاد) اقتحمت عالم الرقية واستمعت الى قصص الضحايا وسألت اهل الرأي والأطباء والمتخصصين. وكانت هذه الحصيلة التي تؤكد حاجة عالم الرقية الى تنظيم يفرق بين الرقية الشرعية ومن يبغون بها مرضاة الله وبين المدعين، ويحول دون ارتكاب الادعياء جرائم عمادها التجهيل والاخطر سلب الاموال والاعتداء على الاعراض حسب المتحدثة باسم ادارة الدعوة بجدة.


الرقية ليست مهنة
بداية يقول فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن مطر السهلي استاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة أم القرى عضو اللجنة الوطنية لحقوق الانسان وامام وخطيب جامع الاميرة شيخة بمكة المكرمة٠ إن المقصود بالرقية الشرعية استعمال آيات من الكتاب والسنة أو ادعية مشروعة لمعالجة من اصيب ببعض العلل الروحانية كالعين والمس والسحر والحسد ويمكن تمييزها عن رقية الدجل والشعوذة، فالرقية الشرعية الصحيحة تكون بصوت واضح ومسموع مصحوب بأذكار صحيحة ثابتة اما من كتاب الله او من سنة الرسول او من ما ورد من اثار السلف او بأدعية شرعية صحيحة دون اعتداء فيها او كلام غير مفهوم. واستطرد الدكتور السهلي انه لا يوجد مختصون شرعيون في الرقية بل هذا من البدع، لذا لا يجب أن يكون هناك اي احد يتفرغ أو يتخصص في الرقية ولا يجب ان يشار إليه انه راقٍ فهذه من البدع فالصحيح أن كل مسلم يجب ان يقرأ على نفسه بحسب قوة ايمانه، كما أن الصحيح أن المسلم لا يذهب للرقاة بل يرقى نفسه.

مرضى نفسيون
اما الدكتور رجب بن عبد الحكيم بريسالي استشاري الطب النفسي بمستشفى الحرس الوطني ومستشفى حراء العام فقال: استطيع القول اعتمادا على السنوات التي امضيتها في التعامل مع المرضى النفسيين بأن ما نشاهده ونسمعه يوميا من بعض مدعي الرقية ما هم سوى أشخاص لا يملكون علما راسخا بل أن بعضهم مشعوذون هدفهم الربح المادي السريع حتى ولو كان على حساب المريض الذي يبحث عن طوق نجاة لحالته.

وأضاف بقوله: لا شك بأن بعض مدعي العلاج والشفاء بالقرآن هم في الحقيقة محتالون لا يحملون علما ولا شهادات تؤهلهم للقيام بذلك وأنا هنا اوضح أن كلامي هذا لا على سبيل التعميم وإنما على سبيل التبعيض. اما بالنسبة للسحر والجان فأنا مؤمن إيمانا راسخا لا يقبل الشك أو التجريح بوجودهما أعني أثر السحر والجان ، ألا أني اختلف مع من يدعي المس وتأثيره على الإنسان فهو أي الإنسان كرمه الله عز وجل، بل تعدى الأمر من التكريم إلى النصرة على الجان بتلاوة شيء من الذكر الحكيم. وأخلص إلى القول بأن معظم الحالات التي ذهب أصحابها إلى مدعي الرقية الشرعية ما هم إلا ضحايا وكانوا يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية لا دخل للجان فيها. وأن تلك الأمراض موجودة وموثقة في كتب الطب النفسي قديما وحديثا، والدليل على صحة كلامي هو تحسن معظم تلك الأمراض والحالات بالعلاجات النفسية.

وتجدر الإشارة هنا إلى التأثير القوي للقرآن الكريم في الشفاء والوقاية من جميع الأمراض عضوية كانت أو نفسية.إلا أن الصحيح برأيي هو أن يرقى الإنسان نفسه.

الالتزام بالضوابط
من جانبه قال رئيس اللجنة المركزية للرقية الشرعية والطب الشعبي بعسير الدكتور حجر بن سالم العماري أن على الرقاة الالتزام بضوابط الرقية الشرعية الواردة في الأوامر السامية الكريمة والتي تتكون من سبعة ضوابط يجب الالتزام بها والمتمثلة في منع غير السعوديين من مزاولة الرقية والطب الشعبي، ومنع كل من يثبت تعاملهم بالسحر والشعوذة والكهانة وإحالتهم للقضاء، بالإضافة إلى تلافي أي أذى ينتج عن الرقية، ومنع الإعلانات الخاصة بالرقاة، إلى جانب شرط مرافقة أحد محارم الراقي له عند رقية النساء وعدم لمسهن مهما دعت الحاجة، وحفظ القرآن وتوفر الصلاح في مزاول المهنة، وأن يكون الراقي سليماً من أي مرض معدٍ.
وأكد العماري أن اللجنة ستقوم بالمتابعة المستمرة للرقاة في المنطقة والعرض لأمير منطقة عسير بالتجاوزات المرصودة، مبينًا أن كل محافظة يوجد بها لجنة ميدانية للرقية الشرعية ترفع بتوصياتها للجنة المركزية بالإمارة من خلال المحافظ.


أثر الوسوسة
الشيخ احمد الغامدي مستشار مركز علوم القران والسنة ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة الكرمة سابقا، أن الرقية ثابتة من حيث الأصل حتى في الأمراض العضوية وهي أيضا تفيد الذين يعانون من الامراض النفسية وقد تفيدهم هذه الرقية من اثر الوسوسة والاوهام من الامراض النفسية التي تصيبه بالحزن والكآبة من خلال قراءة القران وبعض الادعية والاذكار الثابتة والواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتكون فقط مشروعة على هذا القدر ، ولكن ليس كل مرض يشفى عن طريق الرقية، فالقران فيه ما ينفع الانسان ويشفيه من العين والسحر والاعراض النفسية.

أما مسألة الطب الشعبي فهي خاضعة للتجربة وما فيها من اعشاب وخواص في الأغذية ينتفع بها المريض وهو علاج معروف وموروث من العصور القديمة الاغريق واليونان والعرب وحضارات شرق اسيا وتتوارث تلك الأعشاب ومنافعها وهذا يدرس في العصر الحديث من خلال الاختبارات ومعرفة خواصها وفوائدها التي تفيد الانسان. ويتم التفريق بين الرقية الشرعية وبين الدجل والشعوذة حيث الرقية تعتمد على آيات من القرآن الكريم وسورة المعوذتين فقط ، أما الدجل والشعوذة فهو ما يصاحبه قراءة بعض التعويذات التي تحتوي على كلمات غير مفهومة ومبهمة وبها أسماء للجن وكلمات غير مفسرة فهذه علامة على الشعوذة أو يطلب من المريض أن يذبح حمامة سوداء أو أن يقوم بأعمال مخالفة للشرع، أو استخدام العنف والضرب بدعوى إخراج الجان وهذه قضية متفق عليها من حيث الأصل فالمس كاذب، وليس هناك دليل من النصوص الشرعية الصحيحة أن الشيطان يدخل في جسد الانسان ويتصرف في جسده يحركه ويتكلم بلسانه، لا دليل عليه إنما هي مجرد أقوال يقولها بعض الرقاة وتفتقر الى الدليل.

وأيضا هناك بعض الرقاة الذين يتجهون لرقية من أجل المال وبالتالي لا يكون بها قصد حسن لمساعدة الناس ولا تظهر علامة الإخلاص في طلب مرضاة الله في هذا العمل، بل يبالغ في الاستكثار من المال من خلال بيع ما يسمى بالماء المقروء عليه والعسل والزيت بمبالغ طائلة.

رقاة استثماريون
الأخصائية الاجتماعية سامية العنبري تقول : كلما زاد مستوى التدين لدى الأسرة كلما ارتفع الحفاظ على الرقية والاخذ بها ، وهناك من يعطل رحلة علاجه الطبية سعيا وراء الرقاة، وللأسف هناك رقاة استثماريون، كما أن يوجد رقاة شرعيون لا يبحثون وراء الكسب المالي ، ولا نستطيع أن نحرم الرقية الشرعية حيث أقر بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلمنا رسولنا الكريم طريقة الرقية وأن أفضل الرقية هي رقية الشخص لنفسه، وتؤكد انه لا علاقة للجوء الى الرقية بالمستوى الاجتماعي او الاقتصادي او المستوى التعليمي حيث هناك اشخاص حاملون لدرجات عليا في التعليم ومازالوا متعلقين بالرقية في ابسط التفاصيل في حياتهم، وهناك اشخاص ايضا من بيئة فقيرة ومن مستوى اقل تعليميا ونجدهم متكلين على الله في حياتهم دون البحث عن الرقية والاتكال عليها، وعادة عندما يسكن كبار السن في منزل العائلة فإنهم يعمدون الى تحصين الاطفال في البيت واستمرارية الأذكار يوميا ويكبر اهل البيت على هذه الثقافة دون اللجوء الى الرقية اوانهم يرقون انفسهم بأنفسهم.

استخراج تصاريح
من جهتها أوضحت المتحدثة الإعلامية باسم إدارة المساجد والدعوة والإرشاد بجدة فوز جماح الغامدي قائلة: لابد من استخراج تصاريح لممارسة الرقية الشرعية وتستخرج تلك التصاريح من وزارة الشؤون الإسلامية ، كما أن الوزارة مخولة بالرقابة على كل الرقاة فقد وجدت مخالفات بنسبة 60% من الرقاة النساء والرجال بالتنسيق مع الإمارة والقطاع الأمني وهيئة الرقابة، والان يجب ان يكون لدى الرقاة تصريح خاص يصدر من ادارة مركز الدعوة والإرشاد، وفي الآونة الأخيرة لم تعد الرقية الشرعية كما في السابق حيث انتشرت كثيرا بسبب زيادة أعداد الرقاة وتلقينا حالات كثيرة قدمت شكوى ضد بعض الرقاة حيث تم ضبط احدى الراقيات بأحد أحياء شمال جدة ووجدوا لديها 80 موعدا وكلها استنزاف لأموال الناس ، وأيضا طلبت منهم طلبات غير مشروعة ووجدوا لديها مبالغ طائلة وليس لها ترخيص من الوزارة، وأصبح الان مجال الرقية قطاعا ربحيا فقط أكثر من أنه مجال لخدمة ومساعدة الناس على الشفاء، وتتلقى إدارة الدعوة والإرشاد بلاغات ضد الرقاة بشكل اسبوعي تقريبا، والتوجه الجديد الان لوزارة الشؤون الإسلامية ستكون هناك حملات تفتيشية لرصد المخالفين في مجال الرقية وغيرها، فقد استغل بعض الدخلاء حاجة الناس عبر الرقية من اجل المكسب والربح فقط مما فاقم المشكلة غياب تنظيم عمل الرقاة الشرعيين الذي من شأنه القضاء على حالات الفوضى والنصب والاحتيال بحجة التداوي وإلغاء دور المستشفيات والطب النفسي. ولذلك شددت وزارة الشؤون الإسلامية بضبط جميع المخالفين كما يسعى مركز الدعوة بتنظيم مع الإدارة لإيجاد لائحة خاصة لعمل الرقاة الشرعيين، لحماية المجتمع مما يكون فيه اعتداء على اعراضهم او سلب اموالهم. وبالتالي نسعى الى أن يكون هناك رقاة صادقون ولديهم القدرة الكافية من المعرفة والعلم وكسب الأجر من الله.

التفريق صعب
يقول الشيخ عبد الله علي الحلبي امام مسجد العرين بابها انه ليس من الصعب التّفريق بين الراقي الحقيقي والمزيّف، فهذا الأخير يشترط في كثير من الأحيان مبلغا لقاء قراءته، كما أنه يطلب من المريض أشياء يحضرها من بيته كالملابس… إلخ، وأما الراقي الحقيقي فيكتفي بقراءة القرآن قراءة واضحة، والنفث على المريض بعد ذلك والدعاء له ولا يشترط أي مبلغ مالي وإنما تكون قراءته لوجه لله تعالى، إن أعطي شكر وإن لم يعط رضي، لكن رغم هذا، يبقى التمييز بين الفريقين صعبا على كثير من العامة من الناس وخاصة النساء.

مراكز تعذيب
ويقول بندر عسيري تحولت بعض بيوت الرقاة إلى مراكز للتعذيب تستعمل فيها العصا أو أشياء أخرى كالصعق بالكهرباء أو الحرق بالنار وهلم جرا، بحجة إخراج الجن من جسد المريض، ولا يهم إن كان ذكرا أم أنثى فالمقصود ليس الإنسان بل الجن الذي لا يخرج حسب بعض الرقاة إلا بهذه الطرق العنيفة، التي لا يوجد لها تفسير منطقي، فإن لم تتمكن آيات القرآن من إخراج الجني، فكيف لعصا تكسر جسد المريض أن تخرج منه جنيا استوطنه، والأمثلة كثيرة جدا.

مآسٍ
مآس كبيرة عاشتها عائلات نتيجة مرض أحد أبنائها وتحولت حياته إلى جحيم، ونتيجة لذلك أصبح الراقي هو الحل الذي ينصح به الجميع دون المرور إلى الطبيب النفسي أو حتى طبيب الأمراض العقلية، فالأمر مستبعد جدا في مثل هذه الحالات وحتى وإن وجد الشفاء طريقه إلى حالات عديدة فإن ذلك لا ينفي وقوع الكثير من المآسي في بيوت أدعياء الرقية.

من كواليس أدعياء الرقية

* تقول أم ناصر: أصبت بمرض عضوي ونصحني البعض بمراجعة الرقاة، وتواصلنا مع أحدهم وفي احد الأيام جاءنا شاب معلم يدعي أنه درس بعض الأعشاب ، ولكن لم يفلح علاجه الشعبي ، ثم اتصل أحد أصدقاء زوجي وابلغه ان أحد الرقاة قدم إلى المنطقة من الطائف، وحينما جاء إلى منزلنا ونحن في قمة الفرح فإذا به يبث رقية من المسجل ويضع سماعات على الأذن واعطاني ماده نتنة اشربها وضربني بين الأكتاف، ولأنني تجرعت تلك المادة النتنة كان من الطبيعي أن استفرغ ، واكتشفنا في النهاية أنه تاجر يقوم بتسويق ما لديه من عسل بقيمة 300 ريال للبرطمان الواحد وذلك تحت غطاء الرقية.
* ناصر فائع آل عواض يروي تجربته بقوله: احسست في أحد الأيام آلاما في جسدي وراجعت طبيبا في مستشفى خاص بابها ووصفت له حالتي، فقال لي الطبيب أرقي نفسك أو تواصل مع احد الثقاة ليرقيك وفعلا رقيت نفسي وشفيت بحمد الله.

* وتحدثت ام صبا قائلة: عانيت من حالات ضيق نفسي وذكر لنا بعض الجيران أن هناك راقيا من جنسية عربية في احدى محافظات عسير وفعلا ذهب معي إخوتي بعد صلاة الفجر ووجدنا لديه زحاما كبيرا وللأسف اكتشفنا أنه يلزم مراجعيه بشراء عسل يقال انه “قرأ” عليه وفي النهاية علمنا انه القي القبض عليه من قبل الجهات المختصة.
* ويقول علي عبد الله آل أحمد: مررت في حياتي بظروف أسرية ومشكلات حادة ونصحني أحد أقربائي بمراجعة أحد الرقاة وذهبت إليه مع احد اقربائي وبعد أن قرأ علي اعطاني ورقة لشراء دواء وفق قوله من موقع لبيع الأعشاب ملحق بمنزله ولدهشتي اكتشفت ان الوصفة التي كتبها في الورقة يبلغ سعرها 2000 ريال ونسبة لعدم امتلاكي لهذا المبلغ فقد توكلت علي الله ولم أقم بشرائها وبحمد الله تحسنت صحتي وانقشعت سحابة الألم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *