رياضة مقالات الكتاب

«دون كيشوت» وإعلام الأندية

مصطلح (الردح) في الثقافة الشعبية، يعني علو الصوت وسلاطة اللسان والكذب والتضليل، وبمعنى آخر، تجاوز كل ما هو متعارف عليه من آداب الكلام، فمن يردح لأي شخص، يتشاجر معه، ليتصاعد السباب ويصل لأبعد الحدود؛ ليجتمع البشر لمشاهدة ضحية الحظ العاثر في طريق الرداحين، وحتى فترة قريبة كان هذا الأمر محصوراً بأوساط، قد توصف بـأنها لم تحظ بالتعليم والتربية الكافية، ولكنه تطور واكتسب أشكالًا ولغات وطرقاً جديدة، وخرج من تلك الأوساط لينتشر في أماكن أخرى، يصعب تحديدها أو حظرها، حيث لم يسلم منه الكثيرون، ونذكر جميعًا وصلات الردح بين الكتّاب والباحثين والإعلاميين، وحتى الرياضيين الذين ليسوا استثناء عن تلك القاعدة.

إحدى أكبر كوارث الإعلام الرياضي، هي ما يسمى (إعلام الأندية)، فهذا الأمر حوّل وغيّب الهدف الحقيقي لدور الإعلامي، وهو نقاش وطرح وإثراء الساحة بآرائه المحترمة عن اللعبة وأحداثها، بصرف النظر عن ميوله التي، لا ضرر في الإفصاح عنها، فعندما نشاهد جيمي كاراجار، وجاري نيفيل، وغيرهم من المحللين والنقاد، ليس هناك ما يخفى عن انتمائهم، أو حتى كرههم لأندية أخرى، ولكنهم عند قيامهم بالعمل المناط بهم يحرصون على أدائه، بصرف النظر عن انتماء أو ولاء، وهذا ما يسمى بالأمانة المهنية، أما الإعلامي الذي يدّعي الدفاع عن (حقوق) ناديه متناسياً دوره الأساسي كإعلامي، فهو في رأيي الشخصي أبعد ما يكون عن المهنية، فهناك فرق ما بين الدفاع عن (قضية) أو هدف اجتماعي أو أخلاقي، أو حتى سياسي، وبين تقمص دور دون كيخوتي (دون كيشوت) واختراع طواحين هوائية؛ لادعاء الدفاع عن نادٍ معين وحقوقه للظهور بمظهر البطل المظفر، متناسياً أن الحقوق تكفلها القوانين والأنظمة، وأن مسؤولية المطالبة بها تخص الإدارات والمسؤولين بالطرق النظامية المؤسساتية، التي تعمل على إرسائها الدولة، وليس بالصراخ والردح والإسقاط في البرامج المرئية والمسموعة، والمقروءة؛ سواء كانت صحفاً أو وسائل تواصل اجتماعي.

ربما يكون ضعف قدرات الحديث والنقاش في كرة القدم الحديثة والمتطورة عاملاً يجعل(إعلاميي الأندية) يسلكون هذا المسلك، فالنقاش وطرح وجهات النظر ليس مرتبطاً بمكسب تحطيم الآخر والانتصار عليه، أو بتمزيق كيانه وانكساره لينزوي خجلاً، ولكنه أمر أرقى من ذلك بكثير.

@MohammedAAmri

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *