متابعات

القهوة.. أيقونة الحياة وسيدة المزاج

جدة- نجود النهدي

القهوة مشروب يتم إعداده من بذور البن المحمصة، وينمو في أكثر من 70 بلداً، خصوصاً في المناطق الاستوائية؛ نظراً لاحتوائها على الكافيين، يمكن أن يكون لها تأثير منبه للبشر؛ حيث تعتبر اليوم واحدة من المشروبات الأكثر شعبية في جميع أنحاء العالم. والقهوة عادة جميلة تلازمنا وقت فراغنا، حيثُ إنها سيدة المكان والروح، إحساس له طابع مختلف، فهي تُعد واحدة من أهم مُسببات السعادة للإنسان، ومن أهم مكملات الراحة النفسية والمزاج العالي، وما زالت منذ القدم إلى الوقت الحالي هي أيقونة الحياة وسيدة المزاج.

ولسبر غور القهوة وتأثيرها التقت (البلاد) برانيا طلال الشريكة في محل خاص بالقهوة في جدة، التي أكدت أن شرب القهوة أصبح عادة وأكثر تعقيداً من ناحية الجودة والأكواب الخاصة بها والمعارض، وليس من السهل على الشخص أن يفتتح مشروع قهوة؛ لأنه يحتاج جودة عالية وطابعاً مختلفاً. وعن الفئات الأكثر إقبالاً على شرب القهوة قالت رانيا :” جميع الفئات العمرية، وعموماً، كبار السن أكثر ميلاً للقهوة العربية، وفئة الشباب يتجهون أكثر نحو الإسبرسو، والكابتشينو، ولكن فئة المراهقين يتناولون المشروبات الباردة أكثر، وفئة الأطفال، فيقلل لهم الكافيه وتخفيفه بالسكر والمحليات مثل الكراميل.”

ولتقديم منتج مميز في ظل ظاهرة انتشار المقاهي في العالم عموماً، وفي السعودية والعالم العربي بوجه خاص قالت:” لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، فهناك من يهتم بالموقع وأن يكون المكان راقياً جداً، والبعض يهتم بالديكور الداخلي من ناحية الأثاث والمظهر، ومنهم من يبحث عن السعر الغالي، وفي فكره أن الغالي أجمل فليس من المهم لديهم الجودة بل فقط السعر، فدائماً الشخص المميز يجعل الناس يتجهون إليه”.

عالم القهوة والجودة
وأضافت أن شغفها بالقهوة كان دافعاً لها للدخول في عالمها وبجودة عالية، خاصة مع تعلق السعوديين والعرب بصفة عامة بهذا المشروب.
ووجهت رانيا نصيحة للشباب المقبلين على هذا المجال، أو بصدد فتح محل قهوة؛ فقالت إنه لابد من دراسة الجدوى، ويجب عليهم التفكير خارج الصندوق، فعادة في أي مشروع ينبغي التفكير بالمستقبل.

الكيف الممتع والمزاج المعتدل
وفي مداخلة مع المتخصصة في علم الاجتماع الدكتورة حنان الشهري، أكدت أن القهوة موضة ارتبطت في ذهنية البعض بالكيف الممتع والمزاج المعتدل وقدرتها على تعزيز الطاقة واستعادة النشاط، حتى يصبح الشخص لا يستطيع أن يمارس نشاطه اليومي دون هذا المشروب، وهذا اعتقاد خاطئ فالمبالغة في تقديس هذه العادة ربما تنعكس بشكل سلبي على صحة الفرد النفسية المزاجية والجسدية، وهنا لا بد من الاعتدال.

ظاهرة قديمة شكلت الحياة الاجتماعية
وأضافت أن انتشار المقاهي ظاهرة قديمة لم تنقطع طوال التاريخ، لكنها كانت تأخذ أشكالاً تختلف باختلاف البيئات والأزمنة والمجتمعات، ويتضح دورها التاريخي في تشكيل الحياة الاجتماعية منذ القرن التاسع عشر، فقد كانت المكان الذي يرتاده كبار الأدباء والشعراء والمفكرون والفنانون، فمن تلك المقاهي انطلقت المدارس الواقعية الاجتماعية في الأدب، والنظريات المنطقية والوجودية في الفلسفة؛ حيث ارتبطت بالتيارات الفكرية التي شهدتها الدول الغربية في تلك الفترة الذهبية من تاريخها.
وفي العالم العربي أدت المقاهي دورا كبيرا في تشكيل الحركة الأدبية والثقافية تجلى ذلك في أعمال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم وفي المجتمع السعودي شكلت المقاهي منذ القدم ثقافة اجتماعية تجسدت فيها كل معاني التضامن والتكافل الاجتماعي والالتقاء وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد.

تواكب تطور المملكة
واستطردت الدكتورة حنان الشهري بقولها:”اليوم تشكل المقاهي كذلك جزءاً لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي السعودي، ومن حياة السعوديين كونها تواكب التحضر والتطور الذي تمر به البلاد في كل الجوانب؛ حيث إنها متنفس للالتقاء بالأصدقاء والهروب من الروتين وضغوط العمل بل إنها مكان لإنجاز بعض المهام الدراسية أو العملية.”

وظيفتان للقهوة
أما الدكتورة في علم الاجتماع جميلة صالح من مستشفى الأمل في جدة فقالت:” يمكن الرجوع لنظرية عالم الاجتماع روبرت ميرتون الذي تحدث عن الوظيفة الظاهرة والوظيفة الكامنة للسلوك الإنساني، وبالطبع لا يمكن إنكار أن القهوة مزاج، بل ومزاج عالٍ أيضًا، وهذا ما أثبتته الكثير من الدارسات التي تناولت تأثير مادة الكافيين على الدماغ فالكافيين عبارة عن مادة شبه قلوية من مجموعة الزانتينات وهو يصنف ضمن العقاقير نفسانية التأثير من مجموعة المنشطات ويعمل كمنبه للجهاز العصبي المركزي عند البشر؛ حيث إنه يجدد النشاط مؤقتاً. وتعتبر القهوة بكل أشكالها غنية بالكافيين. وإذا ما نظرنا إلى القهوة على أنها مزاج فقط فهي بذلك تؤدي وظيفتها الظاهرة التي يتفق الكل عليها ألا وهي “تعديل المزاج” أما إذا نظرنا إليها على أنها موضة وهو جانب آخر له علاقة أيضًا بكثرة المقاهي ، والأنواع التي لا تنتهي من القهوة وأشكال الأكواب، وأكثر الأسماء شهرة عّن غيرها، علاوة على أسعارها المتفاوتة جميعها تعكس لنا الوظيفة الكامنة للقهوة التي يحاول البعض أن يتحدث من خلالها عّن ذاته بطريقة غير مباشرة ، كالذي يركب سيارة عادية لتؤدي الغرض الحقيقي من اقتنائها، أو الذي يختار ركوب سيارة فاخرة، جميعها وسائل نقل مع اختلاف الدلالات ، وهذا ينطبق أيضًا على شكل كوب القهوة ونوعها واسم المكان ولا سيما الصور التي يلتقطها الأفراد للقهوة الصباحية والمسائية، ولابد من احتساء كوب القهوة للوظيفة كامنة لها هو تحديد يوم سمي بيوم القهوة.
ولكن يظل السؤال… لو لم يكن للقهوة تأثير على الدماغ، هل ستظل تؤدي القهوة وظيفتها الكامنة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *