جدة – عبد الهادي المالكي
منذ أن أعلنت أمانة جدة قبل عدة أعوام عن فكرة إنشاء غابة شرقي جدة بالقرب من بحيرة الصرف الصحي القديمة بوادي العسلاء ومعظم قاطني شرق المحافظة يعدون الساعات والدقائق لعل هذا المشروع ينتهي سريعا وينسيهم معاناة سنوات خلت كانت مليئة بروائح البحيرة وحرائق مردم النفايات القديم.
وقبل عدة سنوات ومع غرس آخر شجرة داخل الغابة الشرقية وفتح الأبواب أمام السكان لزيارة الغابة الواقعة على بعد 15 كلم شرق جسر بريمان حضر المتفائلون من مختلف أحياء شرقي جدة بعد أن رسموا في مخيلتهم صورة زاهية لغابة تزهو بها أشجار باسقة لكن المفاجأة التي كانت بانتظارهم وسط الأشجار أجبرتهم على اتخاذ قرار عدم العودة إليها مرة أخرى. حيث أن المشروع لم يكن كما رسمته مخيلتهم، وبمرور السنوات قتل الإهمال أشجار الغابة الحلم وتبدد عطرها وذهب ادراج الرياح ، ولم يعد من المساحات الخضراء سوى النذر اليسير.
(البلاد) حملت دفتر الحلم ووجهت بوصلتها تجاه موقع الغابة الشرقية وكانت المخيلة ترسم “بانوراما” إبداعية خضراء ولكن اكتشفت أن الموقع عبارة عن أحراش وبقايا أشجار ماتت واقفة ، كما التقت بعدد من مواطني شرق جدة والذين أكدوا أن الغابة الحلم والتي تقع على مساحة تصل إلى 10 ملايين متر أصبحت بمرور السنوات مجرد موقع تذروه الرياح حيث يفتقد الموقع لمقومات السياحة لأنه تحول إلى أحراش مخيفة.
يقول منصور المالكي سمعت منذ فترة طويلة بهذا الموقع واليوم ساقتني الصدف للمرور بجواره وفوجئت بالعدد الهائل للأشجار وقررت أن أستكشف المكان حتى أعود بأسرتي ولكنني لن أفعل ذلك بالتأكيد لأن الموقع حسب وصفه عبارة عن احراش ليس إلا، وموقع لا تسمع فيه سوى صوت ” الصمت” والريح العابرة لرؤوس الأشجار اليابسة.
تبددت الأحلام
وأوضح عبد الله العمري أن فرحة أهالي جدة ذهبت أدراج الرياح بعد أن استبشروا خيرا بمشاريع شرق جدة والتي أطلق عليها الكورنيش الشرقي في وادي العسلاء وتتمثل في مشاريع ضخمة تنوعت ما بين غابة تعد الأكبر من نوعها على مستوى المملكة الى منتجع متكامل من بحيرات وملاعب ومسطحات خضراء بمساحات شاسعة ونادي فروسية واسكان وفنادق وغيرها من تلك المشاريع السياحية لذلك الوادي.
موت الأشجار
وفي السياق نفسه أوضح شاهر العتيبي أن هذا المشروع كان بمثابة الحلم لأهالي جدة لكنه بدأ يتلاشى مع مرور السنوات بعد ان تم اهمالها من قبل امانة المحافظة مما تسبب في هلاك آلاف الأشجار ومساحات كبيرة من المسطحات الخضراء بعد توقف وصول المياه اليها حتى لم يتبق من تلك الغابة سوى 5 % من اجمالي المشروع وقد اشتهرت تلك الغابة بالجبل الأخضر الذي كانت تكسوه الأشجار من كل النواحي إلا ان توقف الماء عنه حوله الى صحراء جرداء لا يوجد بها سوى جذوع أشجار ميتة بالإضافة الى تلوث الجزء المتبقي منها بأكياس نفايات جلبها الهواء من المردم الصحي الذي لا يفصل بينه وبين الغابة سوى شارع رئيسي في منظر غير حضاري يدل على الإهمال من قبل الجهات المسؤولة عنها.
أشجار بلا خدمات
وقال سعيد الحربي للأسف تلك الأحلام أصبحت مجرد أشجار بلا خدمات أو محلات تجارية ومشروع الغابة الشرقية صار مجرد مساحة تعج بالأشجار العشوائية لا تحمل أي منظر جمالي وتكثر بها الحشرات والذباب والزواحف بالإضافة إلى الروائح الكريهة، لافتا إلى أنه سمع عن المشروع وقرر أن يزوره وكانت المفاجأة أن الطريق يخلو من أي حياة سوى من محطتين بدائيتين ولا يوجد بهما خدمات نهائيا، وبمجرد الاقتراب من تلك الغابات يتبادر لك فكرة التراجع عن الفكرة من منتصف الطريق وهو طريق اسفلتي ضيق جدا تتناثر عليه أكوام النفايات ومواد البناء ولا توجد به إنارة.
تقليب الدفاتر
وبنظرة إلى الوراء وتقليب دفاتر المشروع نجد أن المشروع كان من المفترض أن يتضمن زراعة أشجار من فصائل مختلفة مثل الأكاسيا وغيرها على مساحة مليون متر مربع وقد بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 30 مليون ريال وتم تمديد (290) كيلومترا من الانابيب الاساسية والفرعية لنظام الري.
وفعلا تمت زراعة أكثر من 170000 شجرة, وبناء مكونات المشروع الأساسية, كغرفة مولد الكهرباء, وغرفة مضخات داخل المحطة لتنقية المياه الواقعة خارج حدود الغابة لضخ المياه المعالجة عبر خط أنابيب قطره 300مم بطول 3540م إلى حوض الري المقام داخل الغابة غربي غرفة المضخات الخاصة بنظام الري, و3 مولدات كهرباء اثنان بقدرة 450 كيلو وات 563 كيلو فولت أمبير, والثالث بقدرة 192 كيلو وات 240 كيلو فولت أمبير, ووحدتي ضخ تتكون الواحدة من 5 مضخات خاصة بضخ المياه إلى نظام الري, مع وحدتين فلاتر موضوعة في مبنى غرفة المضخات الخاصة بنظام الري, وتركيب 90 عامود إضاءة ارتفاع 12م تعمل بالطاقة الشمسية ولكن كل هذه الجهود ذهبت ادراج الرياح بسبب الإهمال خصوصا بعد أن قامت أمانة محافظة جدة بترسية المشروع في مرحلته الثانية على واحدة من أكبر الشركات المصنفة ضمن شركات الدرجة الأولى في مجال الزراعة ، وتبلغ مساحته مشروع توسعة الغابة الشرقية والمسماة (الغابة الشرقية 2) 8 ملايين مترً مربع ، ويتضمن زراعة حوالي 360 ألف نوع من النباتات بعضها طارد للحشرات والبعض الآخر ينشر روائح زكية ، وبذلك ستكون المساحة الإجمالية للغابة 10 ملايين متر مربع.
حلول بيئية لمشكلة مياه الصرف
كان الهدف من إنشاء الغابة الشرقية هو استغلال مياه بحيرة الصرف الصحي في زراعة غابة وتكوين مسطح أخضر يهدف إلى إيجاد حلول بيئية لمشكلة مياه الصرف الصحي بتبنّي آلية فعالة لاستغلال مياه الصرف الصحي المعالجة في استخدامات مفيدة وخلق تنوع في الأنشطة الترفيهية في مدينة جدة وتم تخطيط الغابة الشرقية 2 بشكل يحقق مجموعة من المعايير التخطيطية تعمل على تحقيق بيئة مناخية جيدة من ناحية التهوية والتظليل وتمكين علاقات بصرية ناجحة من الناحية الجمالية وتحقيق معايير لها علاقة بالنواحي الأمنية وكانت الغابة تستهلك أكثر من 10 آلاف متر مكعب من تلك المياه المعالجة يومياً. فيما كانت هناك خطط لاستقلال أشجار المشروع في إنتاج الأخشاب يمكن أن تنهض عليها صناعات خشبية في المستقبل، كما كانت الخطط تتمثل في استخدام أفرع الأشجار المقلَّمة وأوراقها المتساقطة في صناعة التربة الصناعية (البتوموس) التي تُستخدم في الفيلات والمتنزهات الخاصة».