البلاد – نيفين عباس
مع صعود وهبوط الإمبراطوريات جاءت الحروب وذهبت، وتدخلت موجات من اللاجئين للبقاء على مر القرون
ما سبب توسع في المشهد الغذائي المتطور بالفعل في لبنان
وقد تجلب الآن الوجبات اللبنانية تقاليد من الطهي في سوريا وفلسطين والمغرب وأرمينيا وتركيا وما وراءها إلى مائدة بيروت
ولعل أقوى هذه التأثيرات هو تأثير الإمبراطورية العثمانية، كما يتضح في ما يعتقده الكثيرون على أنه أطباق المزة اللبنانية
هذا لا يعني التقليل من أهمية الدور الفريد الذي يمتلكه اللبنانيون في المأكولات المعتمدة، فبعضها جذري جدًا في النسخة المحلية
وسنجد هناك بعض الوصفات التي لديها القليل جدًا من القواسم المشتركة مع النسخة الأصلية
فعلي سبيل المثال الكسكس المغربي هناك نوع من الكسكس لبناني يعد بطريقة خاصة جدًا ومميزة
ومع ذلك ، فإن التأثيرات موجودة بالتأكيد ، وهي تقدم نظرة ثاقبة للتاريخ الثقافي والسياسي متعدد الطبقات
ليس فقط في لبنان ولكن المنطقة الأوسع أيضًا، لكننا نسلط اليوم علي الأطباق التي شكلت بعضاً من هوية وتراث لبنان
المطبخ البيروتي ليس مجرد تأثيرات خارجية، فالوصفات المحلية القديمة تنتقل من جيل إلى جيل ومن مجتمع إلى مجتمع داخل لبنان
وعبرت الأطباق القرى والبلدات قبل أن تستقر أخيرًا في العاصمة، وجلبت مع المهاجرين لأسباب اقتصادية أو النازحين داخليًا
ولعل أبرز تلك الأطباق هي المناقيش اللبنانية
والذي يصنع عادة من العجين الدائري المسطح ثم يزين الرقيقة بالجبن والزعتر البري مع زيت الزيتون وبذور السمسم قبل وضعه في الفرن
قد تصف بعض الأحيان بأنها “بيتزا لبنانية” وتعتبر من الإفطار اللبناني التقليدي أو غداء أو عشاء في بعض الأحيان
وفي بعض الأحيان يمكن أيضاً تزيين المناقيش بالكشك، وهو طعام جبلي لبناني يتكون من اللبن المجفف والبرغل
أما في بعلبك وعنجر، فالمزيج الشائع هو اللحم المفروم والبصل المفروم والطماطم أو السبانخ أو البيض وكلاهما موطنهما قرى صغيرة
الأصول الدقيقة للمناقيش متنازع عليها، حيث قال الشيف رمزي شويري في كتابه تراث لبنان الطهوي
إن المناقيش هي ظاهرة لبنانية حديثة نسبيًا تناسب الحياة العصرية تمامًا نظرًا لتكلفتها المنخفضة وسهولة صنعها
لكن تم إرجاع كل من الزعتر والبيتا إلى العصور التوراتية، لذلك يتوقع بعض عشاق الطعام بالتبعية
أن اللبنانيين كانوا يأكلون المناقيش منذ قرون، وليس عقود
جنبا إلى جنب مع الفلافل و الفول تعتبر المناقيش من الطعام الإقتصادي في لبنان
حيث انها بأسعار معقولة للغاية، فقطعة من مناقيش الزعتر لا تصل 1$ لذلك هي تحظى بشعبية واسعة بجانب طعمها اللذيذ
يليها طبق الشيشبرك
وهي وصفة من آسيا الوسطي تقدم من الزلابية المليئة المحشوة باللحم مع صلصة من الزبادي أو الروب
ويتم طهيها حتى تنضج ثم تقديمها قدم مع الزبادي البارد المملوء بالثوم
وهو واحد من الأطباق الحاضرة بقوة في قائمة المطاعم البيروتية الأرمنية
وتشتهر برج حمود بأنها ذات الأحياء الأرمنية في بيروت، فهي واحدة من أكثر المدن كثافة سكانية في المنطقة موطنًا للأرمن في الغالب
ومع سقوط الإمبراطورية العثمانية وبداية الإبادة الجماعية للأرمن، فر اللاجئون الأرمن إلى لبنان
واستقر الكثير منهم في أكواخ عبر برج حمود ثم قاموا ببناء منازل هناك بقيت حتى يومنا هذا
وتساهم الآن المطاعم الأرمينية التقليدية التي تعتمد أيضًا على التأثيرات الإقليمية وخاصة السورية بشكل كبير في اقتصاد برج حمود
يعتقد أن الشيشبرك من المطبخ العثماني، ومع ذلك قد تعود جذوره إلى بلاد فارس ما قبل الإسلام
على شكل جوشبارا، وهي وجبة مماثلة مثل الشيشبرك، حيث تغرق زلابية اللحم في أجزاء سخية من اللبن
مع فارق بين النوعين، وهو أن الشيشبرك يعامل مثل الحساء ويقدم مع الأرز
في حين يضاف النعناع أو الكزبرة والثوم للزلابية على طراز التورتيليني
والذي يفضل تحضيره مع زبادي الماعز بدلاً من الزبادي البقري التقليدي في الشيشبرك اللبناني
ثم فتة الحمص
والتي يعتقد أنه تم اختراعها كطريقة للاستفادة من الخبز البائت، والفتة هي أفضل طعام للشعور بالدفء والراحة في بلاد الشام
وتتكون من الخبز المحمص أو المقلي، ويقال إن فتة الحمص والتي وهي عبارة عن مزيج من اللحم المفروم الاختياري
مع الطحينة والحمص والخبز المغطي بالزبادي موطنها الأصلي رأس بيروت
حيث يعود تاريخ الطبق الأصلي إلى دمشق، على الرغم من أن النسخ الإقليمية للفتة
يمكن العثور عليها الأن في مصر والأردن وفلسطين
ويتنوع المكون الأساسي للفتة حيث يمكن أن يشمل الباذنجان والسبانخ واللحوم أو الدجاج
وغالبًا ما يقدم الطبق على موائد الإفطار خلال شهر رمضان
وفي التجمعات العائلية الكبيرة وفي المناسبات الخاصة، وتغطى الوجبة بالصنوبر مع تتبيلها بالكمون والقرفة أو الهيل
ثم طبق السمك الحار
والذي تشتهر به عين المريسة المنطقة المحادية للساحل البيروتي والتي تضم سلسلة من مطاعم الأسماك
التي تشتهر بتقديم طبق سمك الحدوق، وهو نوع من السمك البحري المنتشر على جانبي المحيط الأطلسي الشمالي
والذي يتم تنظيفه وتقشيره وتزيينه بالفلفل الأخضر مع الفلفل الحار والبصل والكزبرة والبقدونس والطماطم والجوز وشرائح الليمون ودبس الرمان وصلصة الطحينة وتقديمه
انتقلت المأكولات البيروتية من جميع أنحاء البلاد، فهذا الطبق ينحدر من مدينة طرابلس الشمالية
ويقدم عادة في المناسبات الخاصة أو البوفيهات
وفي عام 1975، أضرب الصيادون في صيدا احتجاجًا على خطر الاحتكار
وبلغت الإضرابات ذروتها في أعمال عنف أدت إلى اغتيال سياسي محلي
واعتبرت المظاهرات من أولى بوادر اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية
واليوم، خطر الخصخصة والتلوث في بيروت جعل من الصعب على الصيادين في العاصمة
كسب العيش الكريم خاصة خلال موسم الذروة، إذ يتجه آلاف الصيادين اللبنانيين إلى السواحل لكسب أجورهم
بينما يبيع البعض المصيد الطازج للأسواق، ويقوم البعض الآخر بالبيع المباشر للمارة
ومن إحدى مناطق الساحل المتضررة هي منطقة الدالية في الروشة
وهي منطقة مفتوحة للجمهور ولكنها تضررت من التلوث والمنتجعات والشقق الشاهقة
أما الكسكس اللبناني
والذي تمت الإشارة له سابقاً، فهو المعنى الحرفي لكلمة مغربية أي أنه من المغرب، إشارة إلى مسقط رأسه
إذ يعتقد أن الوجبة قد انتقلت إلى بلاد الشام في القرن الثالث عشر في فلسطين ثم وصلت إلى شواطئ لبنان عن طريق العديد من العائلات اللبنانية
التي هاجرت من شمال إفريقيا للاستقرار في لبنان في بداية القرن التاسع عشر
ويعتقد أن سيدة من حي زقاق البلاط في بيروت هي مؤسسة النسخة اللبنانية من الطبق
الطبق اللبناني من الكسكس، لا يشترك في شيء مع طاجين الكسكس المغربي
حيث اعتمد الطبق تنوعه اللافت للنظر في بيروت على وجه الخصوص من حبيبات السميد
التي توجد بشكل أكبر بكثير من المتواجدة في كسكس شمال إفريقيا
حيث يبلغ حجمها حوالي ربع بوصة، وهي تشبه البازلاء ذات اللون الأبيض أكثر من الحبوب الصغيرة التي اعتدنا عليها في المغرب
كما يتم تقديم النسخة المغربية من الكسكس مع الدجاج أو اللحم البقري أو الضأن أو حتي بدون لحم على الإطلاق
عادة ما يتم غمره في صلصة مع البصل والحمص المتبل بالقرفة والكراوية واليانسون والفلفل
وفي العموم يتم تحضير الوجبة بشكل شائع في الجبال اللبنانية عندما تنخفض درجات الحرارة هناك
الكباب الحلبي
طبق إنحدر من حلب، وهو الطبق الوحيد الذي يجمع بين الحلو والحامض، ويشار للطبق على أنه “جوهرة التاج” للطعام الحلبي
وقد صنعت الكفتة الكرزية أو الكباب الحلبي اسمًا لنفسها في بيروت خاصة مع المجتمع الأرمني
إذ كثيرًا ما يتم تقديمها في الأماكن الأرمنية
ويقال إن طبيعة الكباب الحلبي الحلوة والحامضة ناتجة عن تعرض الحلبيين للمطبخ الصيني خلال الرحلات التجارية
لكن هذا الطبق بسيط للغاية، إذ يتألف من مزيج أساسي من صلصة الكرز وكرات اللحم
وفي حلب يتم استخدام الكرز الحامض الصغير المعروف باسم الواشنة
وفي أماكن آخر، يتم استبداله بأنواع أخرى من الكرز الحامض
أو الكرز الحلو مع غرف كرات اللحم وتقديمها مع خبز البيتا أو الأرز الأبيض والصنوبر
ثم الكنافة
وهي موطنها الأصلي يعود لنابلس فلسطين، والكنافة هي حلوى تعتمد على الجبن ويفضلها سكان بلاد الشام بأكملها
وغالبًا ما تقدم كوجبة إفطار، ووصلت حيث استقر عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين
في لبنان خلال هجرة الفلسطينيين عام 1948 المعروفة باسم النكبة
حاملين معهم تقاليد طهي مميزة ذات نمط نابلسي من الكنافة، وتتكون من جبن مذاب مع الكنافة والسكر وشراب ماء الورد
في لبنان، غالبًا ما يتم تقديم الكنافة اللبنانية في كعك
وهو خبز كثيف بالسمسم مع جبن العكاوي وهي جبنة بيضاء مملحة مصدرها عكا
وهي مدينة تقع في أقصى شمال حيفا، وتعتبر جبن العكاوي هي الجبنة المفضلة للكنافة
وكذلك المناقيش في لبنان، أما في فلسطين تصنع الكنافة من جبن حليب الأغنام
من المسلم به أن الكنافة على الرغم من تحضيرها داخل فطيرة صغيرة
إلا أنها من أكثر الأطعمة اللذيذة التي يمكن تناولها في لبنان لأنها تجمع بين قشرة الكنافة المقرمشة الخفيفة مع حلاوة وحموضة من الجبن