متابعات

التشهير .. يردع المتحرشين

 جدة ـ رانيا الوجيه ــ أبها ـ مرعي عسيري ـ الرياض ـ سامية الغريبي

في خطوة إضافية على طريق حماية القيم والأخلاق العامة وافق مجلس الشورى على إضافة عقوبة التشهير إلى العقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة جريمة التحرش، وذلك بحسب جسامة الجريمة وتأثيرها على المجتمع. واتخذ قراره بعد أن استمع إلى تقرير لجنة الشؤون الأمنية بشأن دراسة إضافة عقوبة التشهير إلى العقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة جريمة التحرش، خصوصا وأن جريمة التحرش لم تعد حيثية اجتماعية بل اصبحت قضية قانونية وحقوقية. وتبقى ثمة تساؤلات طرحتها “البلاد” للنقاش سعيا لتحرير المصطلح حول التحرش واسبابه وعلاقته بالتربية. والى اي مدى يمكن ان يشكل التشهير رادعا للمتحرشين ؟ وكيف يمكن تشجيع الضحايا وذويهم على الابلاغ عن الجريمة وتجاوز حاجز العيب المجتمعي؟ في البداية يقول خالد الدوس باحث اكاديمي متخصص في القضايا الاجتماعية والأسرية: لاشك أن ظاهرة التحرش كغيرها من الظواهر الاجتماعية التي تشتكي من آفاتها المجتمعات البشرية كافة قديماً وحديثاً، ولذلك يصنف «علم اجتماع العنف».. ظاهرة التحرش بأنه عنف اجتماعي ونفسي.. وهو في مفهومه العلمي عبارة عن سلوك يأخذ أشكالاً مختلفة، فهناك التحرش بالكلام والتعليقات المشينة والنكت البذيئة والمحادثات الهاتفية، والرسائل عبر الهاتف المحمول وعبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وهناك التحرش بالنظرات الرخيصة، والإيماءات، وأما النمط الأخطر فهو التحرش بالسلوك المادي والجسدي.

وأضاف الدوس بان أكثر الأشخاص الذين يقومون بجريمة التحرش لفظيا في الاماكن العامة هم من فئة المراهقين، ولاشك أن حالات الانفلات الأخلاقي للمتحرشين في مجتمعنا لها عدة أسباب وعوامل فقد تدخل فيها (العوامل الاجتماعية).. مثل غياب دور التربية الأسرية وظهور حالات العنف والتفكك الأسري التي تنعكس على التنشئة التربوية والنفسية والعقلية والاجتماعية غير السوية للأطفال، إلى جانب دور رفقاء السوء في تعزيز السلوك الانحرافي بالذات أولئك الشباب المراهقين الذين يعانون من الفراغ العاطفي والملل والإحباط، أو ممن يتعاطعون المخدرات ولديهم طاقة لم توجه في المسار السليم.

سقف الوعي
واستطرد الدوس: ولأن قضية «التحرش واشكاله» في مجتمعنا لم تصل -ولله الحمد- حد الظاهرة، ولكن من الأهمية بمكان الاعتراف بوجودها وخطورة تنامي هذه السلوكيات المناهضة للقيم الدينية والمعايير الاجتماعية الأصيلة، والاعتراف نصف الحل , والنصف الآخر (الإسراع) في إقرار نظام التحرش ,لاسيما بعد ان وافق مجلس الشورى على اضافة عقوبة التشهير الى العقوبات المنصوص عليها في نظام مكافحة جريمة التحرش، مع ضرورة رفع سقف (الوعي) في التربية الأسرية والتنشئة السليمة للأبناء.. وتنوير المجتمع.. بخطورة وآثار وتداعيات هذه السلوكيات المشينة ومثالبها.

اضطراب السلوك
وتحلل التحرش من الناحية النفسية دكتورة منى الصواف استشارية الطب النفسي و خبيرة الامم المتحدة لعلاج الادمان عند النساء معتبرة التحرش من الجرائم الخطيرة التي لها تبعات على المجتمع خاصة اذا كان من احد افراد الاسرة او المعارف وتقول : قد يكون لنظام للتشهير بالمتحرش تأثيرات ايجابية للحد من هذه الجريمة ، لافتة إلى ضرورة ايجاد آلية مصاحبة تشتمل على الوقاية من التحرش وتشجيع الاطفال خاصة والنساء وهم الفئة الاكثر عرضة لحماية الذات واللجوء للجهات التي تعمل على حمايتهم مع ضمان سلامتهم من احتمال تكرار الايذاء، وتعديل سلوك المتحرش حسب ما يكون لديه من اضطرابات في السلوك او الشخصية او تعاطي المخدرات.

عقوبة رادعة
وقالت المحامية والمستشارة القانونية ساره إبراهيم الابادي: في الحقيقة قرار التشهير بالمتحرشين سيحمي المجتمع والمرأة بالتحديد من أية مضايقات تحت مسمى التحرش والقانون السعودي أساسه ومعتمده الشريعة الإسلامية؛ والتشهير كعقوبة قد تكون رادعة وزاجرة أكثر من إيقاع العقوبة البدنية بل هي تحمي المجتمع من هذا المشهر به لأنّ المتحرش ارتكب سلوكاً آذى به المجني عليه، وقد يكون قد اعتاد على هذا الفعل متستراً بعدم علم الناس بما ارتكبه. كما أن التشهير بالمتحرش ينبّه المجتمع إلى الخطر، وضرورة الوقاية وحماية الأفراد منه، ولكي يصبح التشهير فعالاً يجب أن يكون في الوسائل الإعلامية المناسبة التي تظهر مدى جرم ما قام بفعله ذلك المتحرش، أيضا من جانب آخر أتمنى من أية سيدة أن لا تنصاع وراء فكرة العيب والخوف من الفضيحة بأن تقوم بتقديم بلاغ ضد أي شخص متحرش حتى ينال جزاءه.

حاجز الخوف
وترى الدكتورة سحر السبهاني عضوة في جمعيات عديدة وأكاديمية سابقة في مجال التعليم أن اضافة هذه الفقرة الى نظام مكافحة التحرش جاءت في مصلحة المرأة كونها اليوم تقود سيارتها بنفسها وأحيانا كثيرة تتعرض للتحرش اللفظي وبعض المضايقات خاصة إذا كانت عائدة من مناسبة في وقت متأخر وهذا القرار سيعطي الأمان للبنات والمرأة بشكل عام وهذه من نعمة الأمن والأمان في بلدنا الحبيبة، ومن جانب آخر يكسر هذا القرار نقطة الخوف والتردد في الابلاغ عن المتحرش خوفا من وهم الإساءة إلى سمعتها.

سلوك مضطرب
وتؤكد أخصائية السلوك النفسي سوزان سنبل ان المتحرش إنسان ذو سلوك مضطرب بصرف النظر عن عمره أو مستواه الاجتماعي أو الثقافي. وتشير الى ان الدراسات النفسية التي أجريت حول حالات التحرش رجحت ان من يقوم بتلك السلوكيات ليس مريضا نفسيا بل هو شخص مدرك لأفعاله لكنه يعاني خللا في السلوك يرجع لحزمة من الأسباب منها ما هو اجتماعي وثقافي وبيئي وتربوي مدعوما بضعف الوازع الديني والضمير.
وتضيف: يجب ألا نغفل أهمية الضوابط الاجتماعية القيمية غير الرسمية التي يمارسها المجتمع المتمثل في إمام المسجد والمعلم والرئيس في العمل ورب الأسرة ووسائل الإعلام في كبح التحرش، كما أن للتربية والتوعية المبكرة أثرا كبيرا على التقليل من حجم ظاهرة التحرش وتراجعها وذلك من خلال التركيز على دور الأسرة في توعية الأطفال منذ الصغر بحزمة من الآليات المتمثلة في غرس مشاعر الاحترام للقوانين والأنظمة التي تكفل لكل شخص الحفاظ على أمنه
وتؤكد على اهمية فتح مجال للحوار العقلاني الصادق بين الطفل والوالدين وتعويد الطفل على احترام خصوصية الآخرين وعدم انتهاكها بأي شكل من الأشكال.
من جانبه يؤكد الدكتور أحمد عبد الله أن التحرش محرم شرعا وسلوكا وان غياب الضمير والمبادئ والتربية غير السليمة كلها عناصر تؤدي إلى التحرش ويري أن التشهير بالمتحرش سوف يقطع دابر مثل هذه الجرائم.

دور التربية
في السياق نفسه أوضح الدكتور صالح ابو عراد استاذ التربية بجامعة الملك خالد أن تربية البيت لها دور في حماية الإنباء من التحرش فإذا احترم الشخص محارمه فهو بلا شك سوف يحترم محارم الآخرين وزرع التربية الدينية والأخلاقية في الشخص سوف يجعله يحترم مشاعر الآخرين ويعرف قيمة الشرف والعرض.
وتقول المعلمة ام فيصل أن التحرش هو فعل ربما يمر في دقائق، ولكن آثاره النفسية السيئة على الضحية تصل لدرجة الصدمة، وتمر بمراحل في التفكير تبدأ بالإنكار للواقعة وكأنها لم تحدث، ثم تفقد القدرة على الإنكار لأن الحادث يظل مسيطرًا على تفكيرها فتبدأ في مواجهة نفسها بما حدث. يصاحب هذه المراحل أعراض نفسية وجسدية مثل الاضطرابات والصداع، وقد تنسحب الضحية من المجتمع وتصاب بالاكتئاب.
ويقول الشيخ عبد الله العلي امام جامع حي العرين بابها إن التحرش تصرف محرم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعا، مشددا على أنه لا يجوز تبريره.. لافتا إلى أن التشهير بالمتحرش سوف يحد من هذه الجريمة. ويتوقع الإعلامي عبد الرحمن حامد القرني أن عقوبة التشهير سوف تقلل من هذه الجرائم والتصرفات المشينة التي يقوم بها بعض المراهقين وربما كبار السن أيضا. من جانبه يؤكد الدكتور احمد آل مريع رئيس نادي ابها الأدبي أن التشهير بالمتحرش سيكون له تداعيات إيجابية توقف كل من يفكر في التحرش وتردعه عن مثل هذه السلوكيات غير الأخلاقية ورغم ان التحرش لم يصل في مجتمعنا إلى الظاهرة ولكن التشهير سيكون اقسى من العقوبة البدينة للمتحرش.

صور متجددة
وفي رأي آخر يوضح المحامي الدكتور بكر محمد الفلاح ان النظام جاء ليضبط بعض صور التحرش لأن له صوراً متجددة وهو متغير وتتطور مع الزمن بطبيعة الحال وعقوبة التشهير في نظر القاضي الجزائي هي أقصى درجة في تشديد العقوبات وذلك عندما يكرر المجرم جريمته اكثر من مرة مع ان اغلب الأنظمة لا تتطرق لعقوبة التشهير حتى في المخدرات وهي من الجرائم الكبيرة والتي لا تسقط العقوبة فيها ابداً كون الحق العام فيها اغلب بينما التحرش الحق الخاص فيه اغلب ويعني هذا سقوط العقوبة إذا تنازل صاحب الحق الخاص المتحرش به.
كما جاء في المادة الثالثة من نظام الجرائم المعلوماتية أن التشهير بالآخرين من الجرائم المعلوماتية ويترتب على التشهير ضرر للآخرين ومعاقب عليه قانونا. فكيف يكون اصلاح الجاني وذلك بالتشهير وإلحاق الضرر به، ومن ناحية أخرى فإن المادة الثانية من نظام مكافحة جريمة التحرش نصت على أن الهدف من النظام هو حماية المجني عليه وليس التشهير به فالتشهير بالجاني من المحتمل جدا ان يتبعه التشهير بالمجني عليه وهذا عكس الهدف والمقصد الذي من اجله تم صياغة النظام، كما كشفت المادة الرابعة من نظام مكافحة جريمة التحرش الفقرة الاولى أن على كل من يطلع على معلومات عن الجريمة الالتزام بالسرية فكيف يشهر به بعدها؟ ثم ان الإعلام المغرض سيستغل التشهير بالتضخيم ومحاولة الاساءة للمجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *