شباب

التطوع .. إنسانية تسير على قدمين

جدة – حليمة أحمد، فاطمة عويضة

إنسانية تمشي على قدمين، وقلوب مرهفة تشعر بمعاناة الآخرين، وتسعى دوماً لمساعدتهم عبر الفرق التطوعية التي تقدم خدمات جليلة للمجتمع، فالمتطوعون نذروا أنفسهم لعمل الخير دون مقابل، مجسدين الإنسانية في أبهى صورها، ومتماشين مع رؤية المملكة 2030 التي تعمل على تمكين المسؤولية المجتمعية من خلال رفع مستوى تحمل المواطن للمسؤولية وتوجيه الدعم الحكومي للبرامج التي تحقق أعلى أثر اجتماعي. ويعد التطوع في المملكة من الأعمال التي تخدم الجوانب الاجتماعية في الدولة وتسهم في نقل المعرفة ومنذُ أعوام سابقة كان التطوع تابعاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ولأهميته في التطوير والتنمية المستدامة تم تدشين منصة العمل التطوعي في المملكة عام 1441هـ، لتنظيم العمل بشكل مثالي مع استيعاب أكبر عدد من المتطوعين. القائد الكشفي، رئيس فريق سدم التطوعي عبد العزيز أحمد باسليم، قال: “لا إحساس أجمل من العطاء دون مقابل، وأحب دوماً مد يد العون للآخرين ونشر السعادة والحب بينهم”. وأضاف “من الصعوبات التي واجهتني في العمل التطوعي هي عدم وجود تنظيم واضح للعمل، وغياب تمويل عيني، وعقبات تحول دون أخذ تصاريح التنظيم بسهولة، واستغلال بعض مرضى النفوس لكلمة متطوع لأجل أعمال خاصة تكون مدفوعة الأجر”.

ويرى المهندس المعماري هتان بن هاشم حمودة، أن العمل التطوعي غذاء للروح والقلب، مؤكداً أنه عند عمل أية مبادرة تطوعية يجد السعادة التي لا تقدر بثمن وتنزل منه دمعة بطعم الفرح. وتابع “أنا مهتم بالتطوع البيئي لذلك أنشأت فريقا تطوعيا، وعندما تحولت من مسؤول بمنصب إداري إلى موظف بلا مهام إدارية تتطلب الوقت والجهد وأصبح لدي فراغ غير مستغل قررت استخدامه في المبادرات الاجتماعية والبيئية، وقسمت وقتي ما بين عملي الأساسي والتطوع واستطعت أن أدخل عالم الإخراج والمونتاج التطوعي”.

11 نقطة إيجابية للتطوع
ولخصت خلود العريفي المؤسسة لجمعية بصمة، إيجابيات العمل التطوعي في “الرضى النفسي، الإيجابية، إفادة المجتمع، توصيل رسالة للأجيال القادمة لمنع المشاكل، زكاة العلم، إشغال وقت الفراغ، كسب علاقات جديدة، التعلم الذاتي، اكتساب مهارات البحث العلمي، ومهارات الاتصال، وتطوير اللغة”، معتبرة أن عامل الوقت والسرعة يعتبران محفزين أساسيين في العمل التطوعي، بينما الصعوبات لدى البعض تتمثل في عدم وجود الوقت الكافي للتطوع.
وأكد المتطوع محمد الغامدي، أن دخوله لمجال التطوع جاء بتشجيع من والده، مبيناً أن الأعمال التطوعية التي قام بها هي عمل يوم ترفيهي للأيتام، وترميم منازل المتعففين، والقيام بحملات تثقيفية صحية في أحد المجمعات التجارية. واستطرد “عندما تتاح لي الفرصة لعمل جمعية تطوعية ستكون جمعية شاملة مع إنشاء لجان لكل تخصص لتقديم كافة الخدمات اللازمة للمجتمع”.
ونوه الغامدي إلى أنه في الفترة الأخيرة أصبح عند بعض الشباب والشابات لبس في فهم الفرق بين التطوع والتنظيم الربحي، واستغلته بعض الجهات لصالحها بسبب قلة معرفة المتطوعين والمتطوعات بحقوقهم، وعند قيامهم بالفعاليات التجارية بدلاً من التعاقد مع منظمين باليومية أصبحوا يوهمون المتطوعين بإعطائهم شهادات بعدد الساعات التطوعية.


تنحية النظرة السلبية
لا يتهم المتطوع محمد الشويكان حامل شهادة البكالريوس، بالنظرة السلبية عن التطوع، مؤكداً أن بعض أفراد المجتمع ينظرون للعمل التطوعي على أنه “بلا فائدة”، وهذا مفهوم خاطئ تماماً – حسب قوله – منوهاً إلى أنه اتجه إلى مجال الأعمال التطوعية لإفادة المجتمع واكتساب خبرات جديدة. وأضاف “من الصعوبات التي واجهتني تعارض وقت التطوع مع الدراسة، والاستهتار من بعض المتطوعين، بينما اكتسبت مهارات التواصل الاجتماعي، زيادة مفهوم التعاون، ومفهوم المشاركة المجتمعية، وأعمل على تنظيم الأولويات فيما يخص عملي التطوعي وأعمالي الأخرى”.
وتقول المتطوعة إباء مباركي، إنها تحمل شهادة البكالوريوس وتعمل كمتطوعة “مسعف أول” في الهلال الأحمر بالمسجد النبوي، وقدمت دورات إسعافات أولية، مشيرة إلى أنها لو قدر لها عمل جمعية تطوعية ستعنى بمساعدة وتطوير مهارات الفقراء والمحتاجين، لأن لديهم مهارات وقدرات رائعة جداً لم يلتفت لها أحد وربما تكون سببا في إصلاح أحوالهم، مؤكدة أنها توفق بين عملها التطوعي وأعمالها الأخرى بتنظيم الوقت، وتقدم الأعمال الأساسية أولا وعند الانتهاء منها تبدأ في العمل التطوعي لأنه لا يقتصر على وقت معين أما الأعمال الأساسية مرتبطة بالوقت دائماً.

ابتكار برامج ومشاريع نوعية
اعتبر مسؤول التطوع في جمعية البر بالجوف حمد عطية الضويحي، أن العمل التطوعي يقدم الكثير من الفوائد للشباب، مؤكداً أن جمعية بر الجوف التي تأسست عام 1406هـ بإشراف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، تدعم الفئات المستفيدة من خلال ابتكار برامج ومشاريع نوعية تؤهلهم وتمكنهم من إدارة شؤونهم الأسرية والاقتصادية، وأنه لا يوجد صعوبات مجتمعية تواجه القائمين بالأعمال التطوعية في المملكة بشكل عام ولكن المتطوعين بحاجة لوجود تحفيز أكبر.
وقال: “من نقاط القوة في العمل التطوعي إعطاء الفرص للشباب لخدمة المجتمع، والاستفادة من طاقات الموهوبين، وبالمقابل يستفيد المتطوعون من صقل مهاراتهم واكتساب الخبرة عبر الأعمال التي تخدم المجتمع مثل صرف السلال الغذائية والتعاون مع وزارة الإسكان وغيرها من الأعمال التي يشارك فيها الفريق التطوعي”، لافتاً إلى أن النقاط السلبية تتمثل في عدم وجود الحوافز الملائمة للمتطوعين، ونقص الخبرة في إدارة الفرق التطوعية.

اهتمام بفعاليات الفتيات
فعاليات الفتيات التطوعية لم تتوقف منذ زمن بعيد، وهو ما أكدته المسؤولة في مركز حي الروضة النسائي بجدة الدكتورة آمال العبادي، مشيرة إلى أن أهم الفعاليات التي قام بها المركز جاءت تحت مسمى “الرائدات”، ومنها انطلقت فكرة “مبادرة إعلامية في حينا”، وفعالية “تطوير البيئة” من خلال مهارات التفكير، فضلاً عن فعالية تطوعية أخرى نظمت في بمناسبة اليوم الوطني باسم مبادرة “90*90” تحت شعار “حينما يعبر السلوك عن حب الوطن”، موضحة أن الفعاليات المقامة خلال فترة اليوم الوطني ومنها “ابتسامة وطن” تعبر عن الحب العميق لوطننا الحبيب.
وأثنت العبادي على جميع الأعضاء والعضوات الذين ينتمون للمركز لما يقدمونه من خدمات مميزة عبر نشاطات مراكز الأحياء. وأضافت “من هنا انطلق التطوع الفعلي، باعتباره رسالة وطنية قبل أن تكون رسالة إنسانية كما قالت إحدى عضوات المركز. وإن لم يعبر سلوكنا عن حب الوطن فلا نستحق وطننا”.
وأضافت “مع قرارات المملكة بخصوص العمل التطوعي نأمل بحلول 2030 أن يحقق العمل التطوعي نجاحات أكثر من خلال تكثيف التوعية وإشاعة ثقافة التطوع في المجتمع، وزيادة النشاطات التطوعية في قرى المملكة، وزيادة تنوع الأعمال التطوعية بما يتناسب مع احتياجات المجتمع، ووضع مادة دراسية تخص ثقافة العمل التطوعي في مراحل التعليم لأن ذلك يساعد على نشر التطوع بشكل أسرع”.


جهود فردية وجوائز إبداع
مؤسس وقائد فريق إحسان الطائف التطوعي حسام بن عبد العزيز العامري، قال إن الفريق تأسس عام 1437 هـ بجهود فردية مثل كثير من الفرق التطوعية، وجاءت الانطلاقة في الأعمال التطوعية منذ بداية التأسيس، وتنوعت المبادرات حتى شملت جميع الفئات، ليحقق الفريق عددا من الجوائز من أبرزها الحصول على المركز الثاني في جائزة الطائف للإبداع، والمركز الثالث في برنامج “تأثير الطائف”.
ولفت إلى أن الصعوبات المجتمعية التي تواجه القائمين بالأعمال التطوعية في المملكة بدأت تتلاشى فمنذ انطلاقة منصة العمل التطوعي أصبح التطوع أكثر تنظيما ومراعاة للمتطوع والمؤسسات غير الربحية.
وفيما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة المتطوعين السعوديين من النساء نحو 69%، والرجال 31%، قال العامري: النساء في العمل التطوعي طموحهن لا يتوقف فكلما تحققت أهداف وُلدت أهداف جديدة ودورة جديدة من البذل والعطاء والنجاح وكذلك لدى النساء دوافع ذاتية أكثر من الرجال”، مشيراً إلى أن الأفراد في المملكة تجاوزوا مرحلة الوعي بالعمل التطوعي منذ زمن والآن أصبحوا في مرحلة أخرى وهي العمل التطوعي المحترف القائم على أسس وأنظمة واضحة سواء للأفراد أو المؤسسات.

وبين العامري أنه لا يوجد عمر معين للأبد في العمل التطوعي، ففي فريق إحسان الطائف يوجد متطوعون من 10 إلى 65 سنة ولا يزال الكبار قادرين على العطاء. وقال إن العمل التطوعي في ظل جائحة كورونا نجح بشكل كبير، وكان للمتطوعين والمتطوعات جهود واضحة ومساندة لجهود الدولة. وزاد “عندما نرى المتطوع يخرج من بيته يتفقّد أحوال الأسر والآخر يتطوّع مع الكادر الطبي وثالث يقدّم مبادرات مع رجال الأمن وكل هذا للتخفيف من الآثار المترتبة على انتشار فيروس كورونا، ندرك حينها أننا نعيش في مجتمع محب للتطوع منذ الأزل”.
وفي نهاية حديثه، قال العامري: “أهداف التطوع المستقبلية كثيرة جداً ولا يمكن حصرها، ولكن يتوقع أن مستقبل التطوع في المملكة سيكون على قدر التوقعات بدعم حكومة خادم الحرمين الشريفين وجهود المؤسسات الخيرية الداعمة للعمل التطوعي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *