تذكرون تلك القصة التي حدثت قبل عقدين من الزمان، عن ذلك الكاتب الذي حصل على جوائز عدة من روايته الأولى، لأنها امتازت بغرابة الفكرة..! والذي قرر بعدها سؤال زوجته أن يصيغ روايته الثانية عن وباء سيجتاح العالم بأسره يجبر الجميع على ملازمة البيت وعدم الخروج.. بالفعل تحمّس الكاتب وأسرع نحو خندقه (مكتبه) الذي تعمه الفوضى وتتراكم فوقه الأوراق، أمسك بقلمه وأخذ يدّون ما يجول في باله دون أن يكترث للوقت المقضي، واستمر لعدة أيام على تلك الحالة حتى أنهى آخر كلمة في الرواية.. وبعد التنقيح والتدقيق حمل رزمة أوراقه في حقيبة يده، وتوجه مسرعاً نحو دار النشر مسروراً.
أمسك الناشر الرواية وأخذ يتصفحها وعلى وجهه علامات استفهام واستغراب، ثم فجأة انفجر في موجة من الضحك، تعجب الكاتب منه وغضب غضباً شديدة..
– ما السبب من وراء هذا الضحك..؟
– اعذرني يا صديقي ولكن محتوى الرواية غريب جداً..!
– وما الغريب في الأمر..؟
– هل تعتقد أن قصة عن وباء يجتاح العالم ستكون منطقية.. وكيف سيجعل العالم بأسره قابعاً في مكانه..؟ هههههههههههههه.
غضب الكاتب وحمل رزمة أوراقه وخرج من دار النشر مسرعاً..
سار في الشارع بالقرب من دار النشر وهو يردد لنفسه ” ليست دار النشر الوحيدة في البلدة.. سأعرض روايتي على دار أخرى.. لن أتأثر بتفكير ذاك التافه.. جاهل”
لم يتنبه الكاتب للصبي الذي كان يلعب بقربه بالحجارة إلا عندما ارتطم أحدها بقدمه التفت نحو الصبي وعنّفه..
– يا ولد.. لا ترمي بالحجارة هكذا ستصيب المارّة.. صبي شقي
نظر إليه الصبي وقد أنزعج من كلمته، حمل أحد الحجارة ورمى بها على رأس الرجل، فوقع مغشياً عليه..
بعد برهة من الوقت أفاق الكاتب.. نظر في السماء فوجد سقف يتوسطه ثريا كبيرة، أخذ يسترجع أفكاره فتذكر الصبي والناشر، تحسس موقع الإصابة، رفع رأسه وتفقد المكان حوله فوجد أنه في حجرة نوم فاخرة تذكر روايته فأخذ يبحث مذعوراً وقام من مكانه وهو يتعثر وقف قليلاً محاولاً استرجاع أفكاره نظر أمامه في مرآة فوجد أمامه رجلاً يغزو شعره الشيب مهذب اللحية وتظهر عليه علامات الإنهاك وسمع صوت خلف الباب:
– ماما.. جدتي.. اسمع أصوات من حجرة جدي تعالوا..
ثم فتح الباب لتظهر منه فتاة في سن العاشرة وقد اكتست ملامحها بمزيج من الفرح والخوف وهي تقاوم البكاء
– جدي.. كم انا سعيدة..
وقف الكاتب مذهولاً..
سمع أصوات أقدام تتجه نحو الحجرة ثم دخلت سيدتان، نظر في الأولى لم يعرفها، ثم نظر في الأخرى فشعر بالراحة وصرخ وهو يحاول التحرك نحوها
– حبيبة.. ماذا يحدث..؟
توجهت نحوه وأجلسته على أريكة ثم جلست على الأرض قربه فسألها
– أين روايتي يا حبيبة..
– ” أشارت بعينها حولها في جنبات الحجرة ” هذه هي روايتك نشرت منذ خمسة أعوام وحصلت على جوائز، أطلقت عليها عنوان ( الجائحة..)
للتواصل على تويتر وفيس بوك
eman yahya bajunaid