متابعات

ولي العهد: لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد

إعداد: عادل بابكير – مها العواودة

“لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواء كان أميراً أو وزيراً”، مقولة أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، مع بداية الحرب على الفساد، لتطبق المملكة فعلياً نهج مكافحة الفساد، لبتر المفسدين وإيقاف المتهمين ومعاقبة المتورطين في قضايا الفساد المختلفة، ماضية نحو صفحة بيضاء تسر الناظرين، إذ باشرت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد في العام الماضي أكثر من 794 قضية فساد مالي وإداري تورط فيها العديد من المواطنين والمقيمين، تنوعت ما بين الرشوة، والتزوير، واستغلال النفوذ، واستيلاء على أموال الدولة أو الإضرار بالمصلحة العامة، وغسل الأموال، ما جعل سمو ولي العهد يوجه رسالة شكر وتقدير لمنسوبي الهيئة قال فيها: «بيض الله وجيهكم، وانقلوا شكري لكل فرد من منسوبي جهازكم، وهم اليوم فرسان هذه المعركة الشرسة ضد الفساد لاستئصاله من وطننا الغالي علينا جميعاً».
وعززت المملكة مكانتها ضمن الدول المحاربة للفساد من خلال ما تقوم به من أعمال لاجتثاث الفساد من جذوره، ورصد وضبط كل من تسول له نفسه التعدي على المال العام أو استغلال وظيفته لتحقيق مصلحته الشخصية أو الإضرار بالمصلحة العامة، لتطبيق النظام بحق المتجاوزين.


تأسيس هيئة الرقابة
وتأسست هيئة الرقابة والتحقيق وديوان المراقبة العام منذ حوالي خمسة عقود، كجهات مستقلة تتبع لرئيس مجلس الوزراء وحددت نظامهما واختصاص وآليات عملهما، بينما تم فصل هيئة التأديب عن هيئة الرقابة والتحقيق تحت مسمى (ديوان المظالم) كأول جهة قضائية مستقلة للقضاء الإداري في خطوة متقدمة جدًا في هذا المجال لإخضاع القرارات الإدارية لرقابة القضاء. وفي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله-، صدرت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد عام ١٤٢٨هـ، وتم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وذلك بالعام ١٤٣٢هـ، فيما جاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- بتطور مهم لتمكين ودعم الجهات الرقابية، فأصدر أمره الكريم بتاريخ ١٤٤١/٤/١٥هـ، بدمج هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية (وهي جهة عسكرية كانت تتبع الإدارة العامة للمباحث العامة التابعة لوزارة الداخلية)، والتي تختص بمتابعة جرائم الوظيفة العامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بتغيير مسماها لتصبح (هيئة الرقابة ومكافحة الفساد)، وتخويلها من الصلاحيات ما يمكنها من أداء مهامها بكفاءة واقتدار.

ومنذ تأسيس المملكة، حرص الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على مكافحة الفساد، عندما قال “الذي ضرنا أننا نرى المسيء ونطريه بالإحسان، ونرى الخائن ونقول هو الأمين ونرى السارق ونقول هذا المخلص وهذا سبب تأخرنا ضعف في الأخلاق” قاصداً بذلك محاسبة المفسدين، وسار من بعده أبناؤه الملوك البررة – رحمهم الله – في طريق مكافحة الفساد حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله- الذي قال إن “المملكة لا تقبل فسادا على أحد ولا ترضاه على أحد ولا تعطي أيا كان حصانة في قضايا فساد”.

صدمة للمتربصين بالمملكة
وأكد خبير القانون في المفوضية الأوروبية الدكتور محيي الدين الشحيمي، أن المملكة شكلت صدمة ومفاجأة كبيرة للمتربصين بها من خلال جهودها الجبارة في مكافحة الفساد، بل ذهبت بعزم أكثر لمحاربته بحزم، مشيراً إلى أن قانون مكافحة الرشوة السعودي يمثل تقدمًا كبيرًا في بعض النواحي، حيث يجرم عددًا من ممارسات الفساد، ويحدد المسؤولية الجنائية للأشخاص الاعتباريين، ويكافئ المبلغين عن المخالفات، ويمنح الحكومة ولاية جزئية على القطاع الخاص.
وأضاف” تتجلى أهمية القانون الجنائي لمكافحة الفساد في ثلاثة أمور مرتبطة ببعضها البعض، فتشير السياسات والأحكام الجنائية لمكافحة الفساد خارجيًا إلى أن قضية الفساد تؤخذ على محمل الجد، الأمر الذي يساعد في حد ذاته على بناء السمعة الخارجية للمملكة، وإعطاء الدليل على الالتزام الجاد بمكافحة الفساد، كما أن الرسالة التي تم إيصالها للجمهور هي أن مثل هذه الممارسات الفاسدة غير مقبولة، فضلاً عن أن هذه السياسات والأحكام الجنائية جاهزة للتدخل لفرضها ضد قضايا ممارسات الفساد المتطرفة والواضحة.

خطوة متقدمة
وقال المستشار القانوني وأستاذ القانون العام بكليات القانون ومعاهد القضاء في الكويت الدكتور بلال الصنديد: شكل صدور الأمر الملكي القاضي بضم كل من هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية في كيان جديد هو هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، خطوة متقدمة غاية في الأهمية، فإنشاء الهيئة يتلاقى مباشرة مع متطلبات الاتفاقيتين الدولية والعربية لمكافحة الفساد اللتين تفرضان على الدول الأعضاء ضرورة إنشاء جهاز مستقل وفاعل لمكافحة الفساد الإداري وتعزيز الشفافية والنزاهة، كما تبرز أهمية الخطوة في أن الهيئة أتت كخلف شرعي أوكل مهمة استكمال الخطوات الكبيرة التي اتخذتها لجنة مكافحة الفساد التي انتهت أعمالها في 30 يناير 2019 والتي عملت على حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام ومعاقبة كبار المسؤولين عنها وذلك لخلق بيئة عمل تتسم بالنزاهة والشفافية”، منوها إلى تقدم المملكة 7 مراتب في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، مايؤكد مضيها للأمام في ملف مكافحة الفساد.

واعتبر الصنديد، أن الاليات التي تتبعها هيئة مكافحة الفساد في تسجيل فروقات نوعية ساهمت في ترسيخ هيبة الدولة وتكريس المفاهيم وتأكيد القيم الصالحة في المجتمع السعودي في مجال حماية المال العام واحترام القانون ومكافحة الرشوة ومعاقبة مستغلي النفوذ.

نجاح رؤية 2030
ويرى أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان عصام شيحة، أن في إصرار السعودية على محاربة الفساد، نجاحا لرؤية 2030 الطموحة التي تسعى لتنويع الاقتصاد في بيئة خالية من الفساد حيث لا نجاح في ظل بيئة ينخرها الفساد، وأن تشكيل لجنة مكافحة الفساد بالمملكة برئاسة سمو ولي العهد لها دلالات كثيرة تؤكد حزم القيادية السعودية على محاربة الفساد، والقضاء عليه بيد من حديد، لافتاً إلى أن السعودية اتجهت في السنوات الأخيرة إلي تحديث وتدعيم منظومتها التشريعية لمكافحة الفساد ومحاصرته.

ويقول الخبير القانوني في مملكة البحرين الدكتور علي الصديقي: إن المراقب للتجربة السعودية في مناهضة الفساد والقضاء عليه، يلاحظ أن المملكة بدأت خطوات فعلية منذ عدة سنوات، بدعم من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، مما جعل تجربة المملكة في مكافحة الفساد أشبه بنموذج للمنطقة، فقرارات مكافحة الفساد لم تبق في الإطار المحلي بل أخذت صيتاً إقليمياً ودولياً، وذلك بسبب موقع المملكة وحجمها وثقلها الجغرافي والسياسي، مشيراً إلى أن التجربة السعودية أصبحت مثالاً للتدليل على أنه لا يوجد شيء مستحيل في وقف هدر المال العام والفساد الإداري، طالما توفرت الإرادة وخلصت النية، فنحن كدول عربية واسلامية قادرون على أن نبرهن أننا أقدر الناس على تطبيق القانون وإحكام قبضة الأنظمة والتعليمات التي تمنع أي ممارسات تجر إلى الفساد.

ولفت إلى إنّ من مميزات التجربة السعودية في مكافحة الفساد، أنها لم تكن وقتية أو محدودة النطاق، فهي تجربة شاملة من حيث الزمن أولاً حيث أثبتت استمراريتها وتراكم الخبرة بشأن الحد منها، وثانياً من حيث موضوعها فقد شملت جميع القطاعات والوزارات والهيئات الرسمية. وتابع “السعودية بهذا النهج تطبق مقولة (لا أحد فوق القانون) بطريقة سليمة، ولعلّ شواهد ذلك هو إيجاد طابع مؤسسي وتشريعي للجهات المعنية بالرقابة على المال العام ومكافحة الفساد، ولعلّ هيئة نزاهة خير مثال على ذلك، بوصفها منظمة تعتمد المعايير المعتبرة القائمة على الشفافية والمصداقية والعدالة والمساواة والسرية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *