ذهبت إلى غرفتها وجلست وحيدة، كانت كمن يرتل أوجاعه ويتغزل في الألم الذي تمكن بالنهاية من التأقلم معه بعد رحلة طويلة من التعب..
تمنت لو أن باستطاعتها فقدان نعمة السمع والبصر، كانت تتمني أن لا ترى شخصاً تحبه لكنها لا تستطيع الوصول إليه ، ولا ترغب في سماع صوت آخر تبغضه بغضاً شديداً لكنه متعلق بها أشد التعلق.
الحياة غير عادلة، إنها وحيدة تماماً، ولمعرفتي بها أعلم أنها ستظل وحيدة، كل ذنبها في الحياة أن قلبها لا يمكن امتلاكه بسهولة، تتمرد على الأشياء التي لا تحبها، نقية لدرجة شفافة، لا تريد أن تنظر لمرآتها لتجد نفسها شخصاً أخر إرضاءً لمن حولها من اللائمين الذين يعتبرون أفكارها ضرباً من الجنون، تمتلك فلسفة، بسيطة لدرجة أنها قالت لا علي أشياء لو عاشت تفاصيلها لأصبحت تعيسة، ببساطة ليست شخص رمادي بإستطاعته التلون!
إنها من الأشخاص المقدر لها أن تتعلق بالأشياء التي لا تحبها، في حين أحبها كل شيء لم تحبه ولن تسعى لامتلاكه!
بعد ترتيل أوجاعها وتقديم الاعتذار، والمواساة، قررت الوحدة، فالوحدة خير من أن تتقبل حياة باهتة.
إن الحب يحيطها من كل جانب!! لكنها لا تشعر بأي شيء منه ولا تراه!!
لأنه يأتي من الأشخاص الخطأ، الذين لا يمكن تقبل حتى كلمة كصباح الخير!! أحلامها بسيطة، غير معقدة، لا تطمع في الكثير، يرضيها القليل، تطمح أن تأتي الكلمة من شخص أحبته وستظل تحبه، أجمل أحلامها التي تلخصت في صورة إنسان التقته صدفة، شخص تحفظ ملامحه وتعرفها، إنه جمال ذو نبرة صوت آخاذ، تعودت في السابق الاستيقاظ عليها فجراً ليخبرها كم اشتاق لها في يومه الشاق، والذي أدركت فيما بعد أنها لم تكن جزءاً منه! إنها نبرة دافئة تعرفها جيداً، النبرة الوحيدة التي تسكن روحها وستظل وفية لها، بل ويمكن أن تميزها بين كل أصوات العالم.
ليست من المرضى بحب الاستغلال، بل من البسطاء الذين تسعدهم كلمة من شخص يحبونه بدلاً من قصور من الذهب تقدم من شخص لا يريدون رؤيته حتى في أحلامهم!
برعت الحياة في تصفيتها، في لحظة يأس داخل حفل الاعتراف قررت أن تودع الجميع وتتخلص دفعة واحدة من كل الأمور التي ألمتها بالرغم من أنها لم تكن للحظة واحدة مشاركة بها، لم يكن لها أي ذنب سوى أنها حلم لآخرين يقفون على أعتاب حياتها ولا تسمح لهم بالدخول، كل ما في الأمر أنها لم تركض خلف أحد، لم تطلب من أحد أن يحبها، لم تطلب من أحد أن يقدم لها أشياء لا تستحقها، لم تكن تريد أن تصبح داخل السرب الذي يتشابه فيه الجميع.
بالنهاية تعبت من الركض لأنها لم ولن تجد من يفهمها فقررت التوقف والصمت.. تركتني أنا أكتب عنها ما لا تستطيع كتابته لأي أحد، حملت أحلامها ومضيت لأدفنها على أعتاب المقابر فهي المكان الوحيد الذي أستطيع أن أعدها بأنه حقيقي في تلك الدنيا.