وبعد الجولة -ضمن المسار الإعلامي- لمزارع الرّمان بوادي بيده الشهير وبعض مواقع الشّنفرى الأزدي .. تحركت الحافلة صعوداً إلى مركز محافظة القَرَى وصولاً إلى قرية الأطاولة التراثية بحصونها الشامخة ومبانيها البديعة بتشكيلاتها الهندسية الجميلة التي يعتليها “الجون” في كل مبنى والمرصّعة بأحجار المرو الأبيض التي أضافت إليها جمالاً مع تلك “الدقون” المبنية بأشكال هندسية لاعتبارات تجميلية من جانب وأمنية من جانب آخر لصعوبة تسلق الجدران من الخارج ولحماية الحوائط من تسرّب مياه الأمطار إلى الداخل، ويتوسط تلك المستوطنة السكنية بيت المشيخة الذي يعدّ الحصن المشيّد جزءاً منها لأغراض الحماية والدفاع في زمن مضى كانت تكثر فيه المشكلات القبلية وينعدم الأمن، ويشرف الحصن السامق بإطلالته على القرية وسوقها وطرقها وجُرنها ومزارعها وآبارها. كما خصص جانب من بيت المشيخة للمدرسة النظامية عند افتتاحها في العهد السعودي عام 1372هـ وإلى جانبها المسجد الأثري بأعمدته الخشبية وميضآته القديمة المعمولة بمادة النورة بتصريفها الذي يتيح لعدد من الأشخاص الوضوء في تلك الأحواض الصغيرة التي يتم تعبئتها بالدلاء نزحاً من بِرْكة خصصت لهذا الغرض بطريقة تسمح بوصول المياه إليها وخروجها مع كل دلوٍ يضاف لزيادة الكمية بما يسمح بتجديد الماء.
وهناك كان الاستقبال الرائع من معرف القرية وأعضاء لجنة التنمية الاجتماعية وعدد من الأعيان والمثقفين الذين قدموا شرحاً عن تاريخ هذه القرية العريقة بسوقها الشعبي الأسبوعي الذي كان يقام كل أربعاء يحضره المتسوقون من البادية والسراة من قرى غامد وزهران وغيرها والمعرف باسم “ربوع قريش” في عملية تكاملية تسد الاحتياجات وتوفر المتطلبات في الزمن الغابر. وقد لفت انتباهنا وجود البئر بشكلها القديم بتلك “القرون” الخشبية التي تحمل “المحّالة” و “الدّارجة” و “الأرشية” التي تحمل “الغرب” الذي يقلّ الماء من أسفل البئر إلى أعلاها ليصب في “القُفّ” لينساب الماء رقراقاً في “الفلج” ليسقي تلك المصاطب الزراعية التي تمت زراعتها وزاد اخضرارها بصورة تبعث الارتياح النفسي للزائرين خصوصاً وأن أهل القرية ولجنة التنمية وعلى رأسهم شيخ القبيلة الشيخ فهد بن جابر الحسين قد نجحوا في إعادة ذلك الوهج من خلال إقامة مهرجان قرية الأطاولة التراثي الذي يجسد الحياة السابقة بكافة تفاصيلها سواء داخل المنازل أو في المزارع التي هيأوا أدواتها المعهودة وفي مقدمتها “السواني”لحرث الأرض ودرس المحاصيل بما يسميه أهل المنطقة “الدياس” محققين بذلك نجاحاً باهراً لذلك المهرجان السنوي الذي أصبح يقصده الكثيرون من الزّائرين والمصطافين والسّياح الذين تكتظّ بهم جنبات القرية طيلة أيام المهرجان من منطلق حرص المنظمين لإضافة الجديد كل عام، بعد أن أصبحت قرية الأطاولة التراثية وجهة سياحية راقية لمحبي التراث الشعبي تحتاج معها إلى تعاون هيئة السياحة والآثار وبقية الجهات الحكومية ذات العلاقة لاستكمال عملية التأهيل لبقية المباني بشكل سليم لتكتمل المنظومة لإبراز هذا الكنز التراثي الثمين . وبعد سويعات رائعة أمضيناها هناك آخرها في متحف الشملاني الرائع تحركت بنا الحافلة إلى قلعة الفارس بخروش بن علاس الذي سنتحدث عنه في المقالة المقبلة إن شاء الله.