متابعات

الأسواق الشعبية تقاوم الاندثار

جدة ـ ياسر بن يوسف ـ عبد الهادي المالكي

رغم أن المولات التجارية ، أصبحت هي السمة السائدة في حراك البيع والشراء ، غير أن الأسواق الشعبية في مختلف المناطق ما زالت تعلن عن حضورها بقوة وهي بمثابة فضاء لتسويق المنتجات المحلية ومراكز للقاء كبار السن وساحات للصلح وغيرها من شؤون الحياة، إضافة إلى أن بعض هذه الأسواق بمثابة قيمة تاريخية كبيرة ، كما تتجلى فيها مظاهر التراث من المنتجات التقليدية بمختلف أنواعها وأغراضها والمأكولات الشعبية والأدوات القديمة إلى جانب الملابس والخضار والفواكه والتمور والطيور والدجاج والأرانب والبط والنباتات والمواد الغذائية والاستهلاكية والأجهزة والأواني والفرش بل تمثل هذه الأسواق لقاءات للأصحاب يتجاذبون فيها الأحاديث السريعة والأخبار السارة، ويرتادها السياح ويبيع فيها الرجال والنساء والكبير والصغير على حد سواء.

وفي المملكة تعمل الأسواق الشعبية التي تزيد على 30 سوقا في تسوق المنتجات المحلية من الخضر والفاكهة والسلع التراثية، ويتواصل العمل في هذه الأسواق ويتم في ساحاتها تطبيق الإجراءات الإحترازية.
وفي هذا السياق قال الخبير العقاري خالد الغامدي رغم انتشار المولات والمراكز التجارية الفخمة في كل مناطق المملكة دون استثناء الا أن الأسواق الشعبية لازالت محافظة على عملائها ومرتاديها، لافتا إلى الفرق كبير بين المولات الحديثة والأسواق الشعبية من ناحية التصاميم والبيئة ولكن يظل للأسواق الشعبية حنين مختلق وكذلك فرق في الأسعار ففيها تجد السلع والاسعار التي تتناسب مع ميزانيات الاسر ذات الدخل اقل من المتوسط .
واعتبر وجود المولات الجديدة والمراكز التجارية الحديثة ذات الطراز العمراني الراقي امرا طبيعيا جدا في كل بلدان العالم وهو نوع من أنواع التطور ففيها تجد الماركات العالمية والمطاعم والترفيه وغيرها وأحب ان أشير الى ان كل منها لها روادها.


مواقع أثرية

من جهته أوضح الخبير الاقتصادي نواف الصيعري ان الاسواق الشعبية يجب أن تدخل ضمن الأسواق والمواقع التراثية التي يزورها السياح من مختلف الجنسيات لان لها حكايات وقصصا رائعة موضحا أن في الأسواق الشعبية محلات البيع من خلال البسطات الشعبية ذات التكاليف المخفضة ،ينعكس ايجابا على انخفاض أسعارها بحيث تصبح متوفرة وفي متناول الجميع من ذوي الدخل المنخفض.
وأضاف الصيعري أن البعض لا يستطيع شراء كل ما يلزمهم من المولات، لعدة اسباب منها أن الأسعار الموجودة للبضائع في المولات مرتفعة وتبقي الاسواق الشعبية لها نكهتها مهما اختلافة العصور.

خارطة شرائية

وقال عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث إنه على الرغم من تنوع “المولات” ومراكز التسوق الفاخرة والحديثة، إلاّ أن الأسواق الشعبية مازالت تفرض حضورها على الخارطة الشرائية لبعض أفراد المجتمع، حيث تُعد البضائع الشعبية والتراثية ذات طابع خاص؛ ويستخدمها الكثير في تبادل الهدايا التراثية سواء من ملابس أو عطور أو بخور.

واستطرد أن الأسواق الشعبية ما زالت تحتفظ بجاذبية كبيرة، ويجد المتسوقون بين أزقتها عبق التاريخ وطبيعة الحاضر، والذي يوفر لهم كل ما يريدونه من بضائع تنافس بأسعارها المراكز التجارية الضخمة، حيث أنها تناسب المستويات الاجتماعية كافة، وتشهد ازدحاماً شديداً وإقبالاً من المواطنين أو المقيمين ممن يحرصون على مشاهدة الوجه الآخر للمُدن في السابق، لافتا إلى أن الأسواق في المملكة أخذت بُعداً من حيث النوعية والكيفية والمنتج، وأصبح هناك مراكز تجارية -مول-، إضافةً إلى وجود مجمعات تجارية أدنى مستوى من “المولات”، حيث أن تكلفة تلك الأسواق في بنائها وتشييدها وجلب “الماركات” العالمية يصل إلى مئات الملايين، وهناك تراث لابد من الحفاظ عليه وهي الأسواق الشعبية، حيث أصبحت تندثر وقليلة الأعداد، ويعود ذلك لعدد من الأسباب أولها النمو الفكري والثقافة والتحضر، حيث جعلت فئة من الناس يستكثرون الذهاب لتلك الأسواق، لما لها من عدم وجود بنية تحتية تلائم ظروف الحياة، أيضاً عدم توفر الخدمات التي يحتاجها المتسوقون كمواقف السيارات والتكييف، إضافةً إلى عدم اهتمام بعض المسؤولين ورجال الأعمال بهذا النوع من الأسواق؛ لأنها لا تدر لهم أرباحا ولا تجلب عملاء، بل أصبحت موروثة لدى جيل معين، و لكي تنجح الأسواق الشعبية لابد من تحديث تصاميم وتوفير بنية تحتية، وجعلها مغلفة بطراز قديم ، حيث أن تكلفة الأسواق الشعبية لا تتعدى عشرات الملايين في الظروف الراهنة، ولا ننسى ما يريده الشباب أو الجيل الحالي من “ماركات” وغيرها، وهو ما لا يتوفر داخل الأسواق الشعبية.


بدائل وخيارات

وأضاف المغلوث أن للأسواق الشعبية دوراً مهماً في حركة التنشيط الاقتصادي من خلال تنشيط تجارة التجزئة واجتذاب السائحين، والتقليل من نسب البطالة، حيث يعرض السوق الشعبي تشكيلة واسعة من البضائع المحلية والخارجية، مثل الملابس التقليدية والذهب والمصوغات والعطور، وكذلك الأكلات الشعبية والأواني والتحف، وتعد الأسواق الشعبية معلماً للتراث وذاكرة للوطن، حيث لا يمكن اختصارها في النشاط التجاري بل ترتبط بالقيم والمبادئ التي توارثها الأبناء عن الآباء، وتذكر بالمواقف والأحداث الوطنية الكبرى والرجال الذين تركوا بصمات واضحة في هذه الأسواق، وجاءت فكرة الأسواق الشعبية لإيجاد بدائل وخيارات في الأسعار للمواطنين في ظل ارتفاع الأسعار.

أرباح طائلة

من جهته أوضح محمد الرشيدي احد المستثمرين في سوق شعبي أن لهذه الأسواق أرباحا طائلة ، ففي الرياض التي تنتشر فيها أسواق شعبية كالبطحاء والديرة، اللتين تقدمان بضائع مختلفة تشمل الفضيات والمنتجات التقليدية، والتي تلقى رواجا عند عدد كبير من المواطنين، ومنها المشالح والتحف، في المقابل تضم جدة إحدى أكبر الأسواق الشعبية، على مساحة تزيد على 9 كيلومترات مربعة، وتضم قرابة 26 مجمعا تجاريا، وتحتضن أكثر 15 ألف محل، ومنفذا لبيع كل السلع الاستهلاكية من الأثاث المنزلي، والملابس الجاهزة، والأجهزة الكهربائية، والمواد الغذائية، بالإضافة إلى بيع المواد واستبدال السلع المستخدمة.
وأضاف بقوله تعد السوق الشعبية في جدة إحدى أهم الأسواق الشعبية التي يفد إليها الحجاج والمعتمرون المقبلون من مكة، إذا تتيح السوق المكشوفة فرصة للزائرين لمشاهدة أكثر من 10 آلاف سلعة متنوعة، وبأسعار مغرية، مقارنة بما يعرض في المراكز التجارية، بالإضافة إلى سوق قابل والخاسكية، وسوق الندى التي تشهد تدفق المتسوقين على مدار اليوم وتقدم بضائع محددة.

قيمة اقتصادية

من جانبه أوضح سعيد البقمي أن الأسواق الشعبية في الجنوب مثل سوق الثلاثاء في أبها تعد من الأسواق الشعبية القديمة التي انطلقت قبل أكثر من 112 عاما وتحديدا عام 1902، واتسعت المساحة بمرور الزمن إلى أن وصلت مساحتها قرابة 14953 مترا مربعا، وينتشر فيها المحلات الخصة ببيع الفاكهة الموسمية وبسطات شعبية فضلا عن محلات تبيع الأقمشة، والقهوة، والهيل، والزنجبيل، والعطور، وغيرها من المستلزمات التي تلقى رواجا بين الزائرين، بالإضافة إلى الكثير من الأسواق في جازان وتبوك وغيرهما من المدن.
وتمكنت الأسواق الشعبية من المحافظة على قيمتها الاقتصادية لدى المستهلك المحلي، بل واستطاعت خلال السنوات الماضية جذب زوار تلك المدن التي تحتضن هذه الأسواق، ورفعت الأسواق مع تحديث المواقع التي تنطلق منها لترويج بضائعها، والمنافسة مع المراكز التجارية الكبرى التي تقدم السلع بشكل عصري داخل مجمعات مغلقة مكيفة تستهوي المواطنين خاصة في موسم الصيف.


نوع البضائع

من جهته، قال محمد المنتشري صاحب محلات في احد الاسواق الشعبية إن ما يميز الأسواق الشعبية هو نوع البضائع المقدمة للمستهلك، والتي تعتمد على المشغولات اليدوية، أو تلك المقبلة من الصين وتعرض بأسعار زهيدة في السوق المحلية، خاصة المستلزمات النسائية مثل الأحذية، والعطور، والحقائب، لافتا إلى أن تدني الأسعار يعود إلى عدة عوامل، منها انخفاض إيجار المواقع، مقارنة بالمراكز التجارية، كذلك تعدد المحال، وتنوع البضائع.

تاريخ عريق

وفي محافظة الأحساء هناك عدد وافر من الأسواق الشعبية القديمة، التي تعد جزءاً من تاريخها، وتشكل أحد عناصر الجذب السياحي الحيوية لها، خاصة مع كونها تحتفظ بصبغتها القديمة، بالإضافة إلى أنها متنوعة وجامعة لكل ما هو قديم وموروث، حيث يجد المتسوق فيها كل ما يبحث عنه من البضائع الشعبية والتراثية النادرة.
ويعد التجار والباعة في الأحساء، الأسواق الشعبية، نافذة تجارية لتسويق منتجاتهم المتنوعة، نظراً للأهمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الأسواق، التي من أبرزها، سوق التمور ويقع في منطقة الأسواق المركزية بمخطط عين نجم، ويقام على مدار العام، حيث يقدر حجم التعامل السنوي فيه بأكثر من 200 مليون ريال.

كما يشكل سوق القيصرية الشعبي التاريخي أحد أهم العناصر التي يتكوّن منها الوسط التاريخي لمدينة الهفوف، وتتعامل معه أمانة الأحساء كأحد أهم عناصر الجذب السياحي للمنطقة، فضلاً عن الثقل التجاري، وهذا الأمر يتضح من تبني الأمانة برنامجاً تطويرياً للمنطقة المحيطة بالقيصرية، وإثرائها بالرموز المعمارية الداعمة لهوية المكان المعمارية والحضرية، ومن تلك الرموز إعادة بناء جزء من سور الكوت و دروازة الكوت ( باب الفتح ) ودروازة الحداديد، وغيرها من المعالم ذات القيمة البصرية اللازمة للجذب السياحي.

سوق القيصرية

ويمثل سوق القيصرية التاريخي معلماً مهماً، حيث تختزل القيصرية بين جدرانها جزءاً كبيراً من ذاكرة الأهالي والزوار, وتشكل القيصرية ثقلاً اقتصادياً مؤثراً في الحركة التجارية لوسط مدينة الهفوف ولهذه الأسباب يستحق هذا المعْلم العمل الدؤوب بالعناية به وتطويره ليستمر عطاؤه يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل, وتعكف الأمانة بصورة مستمرة على دراسة السبل والإمكانات المتاحة لتعزيز المكانة الاقتصادية والتاريخية للقيصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *