يسارع بقفل نافذة السّيارة وهي تعبر الطّريق كلما شعر بنسمات الهواء الباردة تلامس وجهه. فلم يكن يتخيّل هذه الأجواء المنعشة في أشهر الصّيف القائظ، الذي تلتهب فيه بعض المدن بدرجات حرارة عالية. تمضي السيارة وعيناه ترصدان سحر الطبيعة، أمامه السّهول والوديان كقطيفة مطرزة، مكسوة بالنّباتات المتنوّعة موشّاة بالأزهار الجميلة..ذات الأشكال والألوان المختلفة، تضفي إلى الجمال جمالاً. تزيد من روعتها الرّوائح الذّكية التي تبعثها بعض النباتات فتعطّر الأجواء.
لم يتصوّر أن هذا الجمال الأخّاذ في واحدة من مناطقنا السّعودية.
يقف في أحد المطلّات المرتفعة..معتلياً السحاب الذي يغطي في ثوان أجزاء مما حوله وكأنّه في السّماء، فتظهر فتنة الطّبيعة كلما تكشّفت تلك الغيوم في منظر مبهر خلّاب.
يعايش معانقة الضّباب للجبال والأشجار الكثيفة وهي في علاقة وئام وغرام دائمة، يجد نفسه أحياناً داخل غيمة تنثر رذاذها الذي يلتصق بأهداب عينيه فتزيد من نشوته للمكان.
تحتجب الشّمس فيرفع ناظريه إلى السماء بعد أن تجمّعت السّحب..تجود بمزنها على الأرض الخضراء، فهناك علاقة ربانية بين الأخضرار وكثرة الأمطار . وبعد سويعات تزيد الدّهشة وهو يرى الشّلالات البديعة تتدفّق من فوق المرتفعات إلى مستقرّاتها، لتنساب الجداول الرّقراقة بماء الحياة. مشكِّلة مسطحات مائية وبحيرات صغيرة تثير المشاعر والأحاسيس أمام هذه اللوحات الناطقة. يتوقف الهتّان مع إطلالة «قوس قزح» الذي أرسلته الشّمس ليرسم البهجة. فتحلّق الطّيور على الأغصان تغرِّد بأجمل الألحان تشنّف الآذان بشدوها الطّروب وأنغامها الممتعة كأجمل المعزوفات الرّاقية فيكتمل الجمال البديع في الباحة.
التي حباها الله بهذه الخصائص والميزات التي تعرَّف عليها تماماً بمعايشتها على أرض الواقع. فقد تأكّدت لديه المعلومات المعلنة بأنها أعلى مناطق المملكة في معدّلات الأمطار على مدار الأعوام، وأغنى المناطق في وفرة الغطاء النباتي وكثرة الغابات، التي هيّأت لهذا الجمال الرّباني البديع. أطفأ محرك السيارة في مكان سياحي رائع مكتمل الخدمات، يكاد يغصّ بكثرة المصطافين والسيّاح.
ظلّ مشدوها وهو يلاحق مع أفراد عائلته تصوير مشاهد الحسن والبهاء وسط هذه الأجواء الجميلة مرددين بصوت الدّهشة: (الله عليك يا الباحة).