جدة- عادل بابكير
لم تتوان المملكة في سل سيف النزاهة في وجه كل من تسول له نفسه ارتكاب أي نوع من أنواع الفساد، فالفساد بكل أنواعه كما وصفه الملك سلمان (آفة خطيرة تقوض المجتمعات وتحول دون نهضتها) مشددا -حفظه الله- سنعمل بعزم لمواجهته بكل عدل وحزم لتنعم بلادنا بالنهضة والتنمية التي يرجوها كل مواطن، وما بدر من البعض لا ينال من نزاهة مواطني هذه البلاد الطاهرة الشرفاء من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال والموظفين والعاملين على كافة المستويات وفي مختلف مواقع المسؤولية في القطاعين العام والخاص، وكذلك المقيمين في المملكة من عاملين ومستثمرين الذين نعتز ونفخر بهم ونشد على أيديهم ونتمنى لهم التوفيق.)
وسوف لن ينسى الشعب السعودي لسمو ولي العهد الامير محمد بن سلمان كلماته الشهيرة في ذلك اللقاء التلفزيوني النادر على قناة MBC قبل ثلاث سنوات من الآن، وذلك عندما قال (لن ينجو أي شخص تورط في قضية فساد أيا كان وزيرا أو أميرا) حيث عكست تلك الكلمات رؤية واضحة لاقتلاع جذور الفساد.
وقد أدت الإجراءات المتتابعة في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية ، إلى إعلان منظمة الشفافية الدولية عن تقدم المملكة 7 مراكز عالمية في ترتيب مؤشر مدركات الفساد (CPI) لعام 2019، حيث حققت المملكة المركز الـ51 عالميا من أصل 180 دولة، وتقدمت في مركزها بين مجموعة دول العشرين لتحقق المركز العاشر.
هيئة الرقابة ومكافحة الفساد
وتطبيقا لشعار ان المملكة لا تقبل فسادا على أي أحد ولا ترضاه لأحد ولا تعطي الحصانة لأي شخص تورط في قضايا الفساد ، تعمل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد بالتنسيق مع وزارة الداخلية والنيابة العامة ورئاسة أمن الدولة ووزارة العدل ووزارة التجارة ووزارة الاستثمار ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة سوق المالية والهيئة العامة للجمارك والهيئة العامة للأوقاف، لمعرفة السبل القانونية لاسترداد الأصول المسروقة. وفي أول تصريح لرئيس الهيئة مازن الكهموس بعد توليه مهام منصبه أكد أنه سيسعى ليأخذ كل مواطن سعودي حقه المشروع سواء في تقديم المشاريع الحكومية أو المنافسة عليها ، لافتا إلى أن سمو ولي العهد وجهه بإعلامه عن أي وزير أو مسؤول لا يتعاون مع الهيئة في المرحلة المقبلة ، وبتغيير منظومة عمل الهيئة والقضاء على الإجراءات السابقة بعد أن تخلصت المملكة من رؤوس الفساد الكبيرة ، فيما تسعى لاستئصال فساد الموظفين الحكوميين المتوسطين والصغار ، مؤكدا ان الهيئة مستمرة في ملاحقة كل من يستغل الوظيفة العامة لتحقيق مصلحة شخصية أو الإضرار بالمصلحة العامة بأي صورة كانت، وأنها ماضية في محاسبة المقصرين في أداء واجباتهم وتطبيق ما يقضي النظام بحقهم.
كفى فساداً
وفي هذا السياق أوضح الخبير المصرفي والمستشار الإداري الباحث الدكتور علي جار الله ، ان أهم اسباب اي حالة فساد، هو سوء استخدام المنصب والمسؤولية لدى المسؤول من أجل تحقيق مصالحه عن طريق الفساد، فيعمل على الاحتيال والرشوة والابتزاز واستغلال وظيفته لأمور شخصية، كذلك استخدام المال كرُشى تدفع للموظفين لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن اختصاصهم لقضاء أمر معين وتبديد الكثير من الموارد العامة، عبر رشوة كبار موظفي الدولة وذلك بتغييرهم تركيبة عناصر الإنفاق الحكومي، بحيث يسهل عليهم ابتزاز رشاوي كبيرة مع الاحتفاظ بسريتها، مضيفا: عندما اصدرت كتابي: “كفى فساداً” في عام 2019م تحدثت عن الدول العربية في مؤشر مدركات الفساد للعام 2018م، و كانت المملكة في المرتبة 58 متأخرة درجة عما كانت عليه في 2017م، وكنت أدرك ان المملكة كانت تقاتل من أجل إحراز مركز متقدم في المؤشر وخاصة بعد بدء معركتها لاجتثاث الفساد من جذوره كما قال الملك سلمان، فتحقيق المملكة المركز 51 عالميا من بين 180 دولة وتقدمها سبعة مراكز، بل و تقدمها بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية لتصبح في المركز العاشر يدل على أن ما قام به خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده من عمل وجهد للقضاء على الفساد المالي و الاداري و ترسيخ مبادئ الشفافية و العدالة و الإصلاح الاقتصادي ، مضيفا أن الأمر المفرح ان السعودية احتلت المرتبة الثانية بين أفضل الوجهات الاستثمارية في العالم لعام 2019م، بحسب تقرير لموقع “يو إس نيوز” الأمريكي الذي ضم 80 دولة، وهذا مؤشر واضح أن قيادة المملكة بدأت بتطبيق رؤية 2030م بطريقة صحيحة، تنفيذاً لشعار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان “لن تقوم للوطن قائمة دون اجتثاث الفساد من جذوره”.
جذب الاستثمارات الخارجية
وعلى صعيد متصل يشدد الدكتور المحامي منصور الرفاعي على ضرورة التركيز على ملف الفساد الاجتماعي والذي يعرف بالواسطة ، كما يجب على كل مسؤول أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الآخرين ، لافتا الى ان تقدم المملكة في ترتيب الدول الاقل فسادا هو أحد الأسباب لجذب المستثمرين، فأسباب جذب الاستثمارات الخارجية كثيرة من بينها عدم انتشار الرشوة والمحسوبية وعدالة القضاء وتأهيله للحكم في القضايا التجارية وتنفيذ الأحكام بصرامة وكمحامي أستشعر القفزة النوعية في سلك القضاء عبر الاجراءات والأحكام والأنظمة المتجددة.
ومن جانبه يرى المحلل الاقتصادي جيري ماهر أن المملكة عندما بدأت قبل ثلاثة أعوام حملتها لمكافحة الفساد والفاسدين وكل من تورط بأعمال فاسدة ، كانت تدرك جيدا أن نجاح الأمم يبدأ بمكافحة الفساد وهي السياسة التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ما نقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة وجعل منها دولا قادرة على تطوير نفسها واستقطاب المستثمرين ودعم شعبها وتطوير مستوى حياته و أعماله.
ترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة
المحامي إبراهيم الباشه يؤكد من جانبه ان السعودية قامت منذ نشأتها على العدل ومحاربة الفساد واستمرت على ذلك، فيما حرصت القيادة على استدامة الحكم الرشيد من خلال وضع قواعد وأطر عامة لترسيخ مبادئ العدالة والنزاهة لتسريع المطلب الأساس وهو التطور والنمو المستدام ومن ذلك رؤية 2030؛ فكان من الطبيعي أن تتقدم المملكة على مستوى مؤشر مكافحة الفساد العالمي وكذلك على مؤشر التنافسية العالمية ، فضلا عن تطوير قوانين القضاء والتجارة المستمر وبالخصوص أنظمة مكافحة الفساد وقوانين التحكيم والمحاكم التجارية والإفلاس وسوق المال ن ما جعل من المملكة بيئة استثمارية آمنة وصالحة لجذب الاستثمار الأجنبي المتوقع توافده خلال الفترة القادمة ويساعد في ذلك أيضا موقع المملكة الاستراتيجي المتميز على خطوط التجارة العالمية وسمعتها الطيبة بصفة عامة واقتصادها القوي.
استراتيجيات مكافحة الفساد
ولمكافحة الفساد يشبر جار الله الى اهمية استراتيجيات دفع أجور كافية لموظفي الخدمة المدنية؛ لأن انخفاض الرواتب يدفع الموظفين للبحث عن مصادر أخرى ، فضلا عن الشفافية في الإنفاق الحكومي؛ اي ايجاد نظام شفاف لمراقبة الموازنة والحد من الروتين (الروتين والبيروقراطية) فهناك العديد من اللوائح غير الضرورية تؤدي الى تعطيل مصالح المراجعين، وتطويل الوقت في إنجاز ما يريدون إنجازه، فيذهبون لرشوة الموظفين لتسهيل امورهم. واستبدال الدعم التنازلي بتحويلات نقدية موجهة؛ يؤدي الدعم غالبا الى التهريب، ونقص المعروض، وظهور سوق سوداء وعقد اتفاقيات دولية حول الفساد في الاقتصاد خاصة العابر للحدود ونشر التكنولوجيا الذكية؛ حيث ثبت في كثير من الدول ان استخدام الانترنت بين الحكومات والمواطنين اداة فعّالة للحدة من الفساد، وبهذه الطريقة يمكن ان يساعد كثيراً في مجال تحصيل الضرائب والمشتريات العامة وكسر الروتين الممل في التواصل.
ويرى المحامي منصور الرفاعي اهمية وضع الرجل المناسب في المكان المناسب عبر مؤهلاته وقدرته وسمعته لا عبر الواسطة أو العلاقات والمحسوبيات وأتمتة جميع التعاملات الحكومية والأهلية بحيث تصبح عبر قنوات لا تسمح للتلاعب من قبل ضعفاء النفوس بالإضافة إلى تفعيل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد وإعطاء الصلاحيات وتفعيل برنامج حماية الشهود والمبلغين عن أي شبهة فساد.
درء الفساد بحماية عقارات الدولة
يأتي اعلان الهيئة العامة لعقارات الدولة، لقواعد وآلية عمل لجان طلبات النظر في تملك العقارات والوثائق والشروط المطلوبة ، درءا للفساد وتحقيق العدل وحماية الاملاك العامة في اعقاب مرحلة ظاهرة تفشي التعدي على عقارات الدولة ما نجم عنها نشوء العشوائيات في كثير من مناطق المملكة، وذلك بالاستفادة من عقارات الدولة وحفظها وتنظيمها.