يقول الأديب حسن يوسف: “إني ممتلئ بالناس ” ، ولا أطيق العيش بمعزل عن أهلي وأصدقائي وكل ناسي ، فكيف سأكتب رواياتي واضبط ايقاع أبطالي إذا لم أشارك الناس تفاصيل حياتهم اليومية وأتعرف من خلالها على عاداتهم المختلفة وثقافتهم الشعبية ؟!
وكما يقال في الأمثال ” الناس للناس ” ، وجبل إلى جبل ما بيلتقي لكن بني آدم لبني آدم يلتقي ” ، ” والدم لا يصير ماء ” . فهذه الحكم الموروثة تذكرنا بأهمية وجود الإنسان في حياة الإنسان ، فأنت حين تتألم من وجع ما فإنك تصرخ بأعلى صوتك: (آخ )، فيسمعك القريب والصديق وربما قطاع الصحة كله ليهبوا إلى استطبابك والتخفيف من مصابك ، وعندما يداهمك خطر اللصوص ليسلبوا ما تملك من ثروة ومال ، فإنك تخرج إلى الناس وتستنجد بالجيران وبرجال الأمن والسلامة ليقفوا على حمايتك ويستردوا لك مفقوداتك ، وأنت حين تتضور جوعاً ويشتد عليك البرد ، فإنك تفتش عن محاصيل ما زرعه الفلاح ومنتجات ما صنعه العامل ، فالآخر هو من يحقق لك كل احتياجاتك الفطرية والعصرية.
نستغرب من البعض عندما يتعالون على الخلق ويرددون على الملأ عبارات تجسد الغرور وتعظم الأنا مثل : ” أنا مش بحاجة أحد ” ، وأنا غير ” ، “وأنا كوّنت نفسي بنفسي وليس لأحد فضل علي ” !. كيف لا أعترف بجميل من علمني حرفاً ، ولا أذكر محاسن من رباني صغيراً، ومناقب من كفاني ذلّ السؤال وأعانني على تجاوز المحن وتخطي العقبات ، كيف أمحو عطاءه لي وأنا مدينة له بأسباب وجودي بعد الله .؟!.
ونحن نعيش هذه الأيام عظائم الأمور وقد ابتلينا بأشرس الفيروسات تأثيراً على حالتنا النفسية وبأكثرها فتكاً على جهازنا التنفسي ،ومحكومون بالأمل في قدرة الله على التعافي، أقولها وبصدق إننا اشتقنا إلى الآخرين وإلى حرارة الالتقاء بهم والسلام عليهم من غير خوف ولا ماسكات. فما أصعب أن نصل إلى حالة التصحر الروحي والجفاف العاطفي ونحن بعيدون عن روادنا ومريدينا ، فالله نسأل أن تبقى قلوبنا عامرة بالصفاء وكلماتنا عاشقة للحوار ، وانساننا بخير في كل زمان ومكان ، والله نرجو أن يلهمنا الصبر على الشدائد ويديم علينا نعمة الأمن الاجتماعي ويرفع عن البلاد والعباد ما ألمّ بنا من وباء وبلاء ، ويجعلنا من الذين يسمعون القول ويتعلمون الدرس ويطبقون بروتوكولات علاج كورونا وغيرها من الأمراض ، صوناً للصحة العامة وضماناً للكون كافة وحماية للناس أجمعين.
يقول المولى عز وجل :
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). صدق الله العظيم.