اجتماعية مقالات الكتاب

الدور الإنساني في الإتقان

يقول الكاتب الساخر مارك توين : « لا يهمني ان أكون شخصا كاملا، يكفيني أن أكون شخصا لا ينافق، ولا يخون ، ولا يجامل، ولا يعرف الناس وقت الحاجة».

جميل ما سمعناه من توين، فهو ينأى بنفسه من السقوط في وحل المجاملات ويأبى أن يغرق في نفق الخيانات ، وهو بهذا يقترب كثيراً من درجة الكمال في مفهوم السيرة والأخلاق ويؤسس وبشكل قوي لعلاقات انسانية شامخة مدى الحياة.

عندما يناديك الناس بأنك « كامل مكمل ومن مجاميعه « ، فهذا يعني أنك لا ترضى بغير الأفضل والأميز والأجمل والأبقى ، وبأنك ترفض كل ما هو سيء ورديء، لا يلبي الحاجة ولا يريح الضمير ، فالإخلاص في العمل هو شعارك ، والوفاء للآخرين هو ديدنك ، والكدُّ في السعي هو منهجك ، وريادة الابداع هو شغفك ، والوصول إلى القمة هو بوصلتك .

لقد تفوقت الصناعات الالمانية عن باقي الصناعات في العالم وحظي السوق فيها على ثقة المستثمرين والمستهلكين معاً ، وكان البطل فيها هو ذاك العامل الالماني المجدُّ الذي قدّس العمل وتفانى في دقة مخرجاته . لقد امتلكت فنلندة أفضل نظام تعليمي في العالم حين طبقت سياسة « تعليم بلا نهاية « ورفعت شعار « لن ننسى طفلاً « ، ثم ردمت الهوة بين الطلاب من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ، وأزاحت التباين في المناهج الدراسية بين المدارس في كافة المناطق ، وصار الجميع يتشاركون ذات الفرص التعليمية وذات المواد العلمية.

وصف الله نفسه بأنه متقن كل شيء {صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}، فلم لا نتقن نحن عباده أي شيء ؟ ! . إن العمل عبادة واتقانه قيمة كبرى ومساره وجهة سليمة نحو الخلاص من إضاعة الوقت وتبديد المال واستنزاف الجهد، وكما يقال: « لا يصح في النهاية إلا الصحيح « ، فحين نغش في المواد ونتهاون في شروط السلامة ، حتماً سندفع الثمن باهظاً وبالتأكيد سنحدث كوارث بشرية وبيئية فظيعة ، ولهذا يجدر بنا أن نحسن صنعنا ، فلا نقبل بأنصاف الحلول ولا نتقبل أشباه الأصول ، لا نطبق سياسة الترقيع ولا نستسلم لغريزة القطيع . نطهر أنفسنا من درن الفساد ونتجرد من مظاهر الرياء، نعمل بهمة لا تنكسر وبعزيمة لا تلين، نرفع طموحنا عنان السماء فيتحقق لنا – بإذن الله -الأمل والمأمول.
يقول الشاعر أحمد شوقي :
وما استعصى على قوم منال …. إذا الإقدام كان لهم ركابا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *