جدة- البلاد
غني عن القول ما تقدمه المملكة لحجاج بيت الله الحرام والعُمار والزوار وتوظيف جميع امكانياتها البشرية والمادية وبذلها الغالي والنفيس من اجل سلامتهم كي يؤدوا مناسكهم في كل يسر وسهولة واطمئنان.
وفي ضوء الآية الكريمة: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) فان مفهوم الاستطاعة يعد أصلاً في فرضية الحج، وتشمل الاستطاعة المكان (المشاعر المقدسة) بالضرورة لاستقباله اعدادا متزايدة من الحجاج في كل عام حيث تشير مصادر عدة إلى أن الحج كان قد ألغي سابقاً لظروف مختلفة اجتاحت المنطقة في وقتها، وأن هناك أعواما عبر التاريخ ، لم تقم فيها مناسك الحج حيث سجل التاريخ الإسلامي حسب دارة الملك عبد العزيز ، تعطل موسم الحج 40 مرة، “بسبب أحداث وكوارث لازمت مواسمه منها انتشار الأمراض والأوبئة، والاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، الغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي، إلى جانب فساد الطرق من قبل اللصوص والقُطاع.
وتأسيسا عليه ، يأتي قرار المملكة في ظل تفشي جائحة كورونا بإقامة حج هذا العام بأعداد محدودة جداً للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل اراضيها، حرصاً على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحياً وبما يحقق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهددات هذه الجائحة، وتحقيقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية و(للحفاظ على الأمن الصحي العالمي )، وذلك في ضوء حقيقة ان المملكة صاحبة اضخم تجربة في ادارة الحشود على مستوى العالم ،متمثلة في اجتماع اكثر من مليوني حاج في كل موسم في مساحة محدودة من الارض بالمشاعر المقدسة، الامر الذي تحولت معه المملكة إلى بيت خبرة مميزة في مجال التعامل مع الأوبئة، وبالذات مع بناء الخبرات المحلية من حمى الوادي المتصدع إلى فايروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ناهيك عن الإجراءات التي تبذل كل عام لحماية موسم الحج، عبر إدارة الحشود، وضمان عدم تفشي الأوبئة ، ذلك ان اجتماع اي حشود زائدة يفوق استطاعة المكان (المشاعر المقدسة) في ظل ارتفاع اعداد المصابين بالفيروس حول العالم الى اكثر من 10 ملايين مصاب، فضلا عن احتمالية ان يشهد العالم موجة ثانية من الوباء ، يبدو مسألة في غاية الخطورة ورحلة غير مضمونة العواقب، خوفا من انتقال العدوى بين الحجاج وتعريض حياة الملايين منهم للإصابة بالفيروس، وارواحهم لموت محقق جراء الحشود والتجمعات والجائحة.
الحج أكبر التجمعات الجماهيرية
الى ذلك أشار المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس غيبريسوس إلى أن قرار حكومة المملكة بمحدودية الحج ، قد تم اتخاذه بناء على تقييم المخاطر وتحليل مختلف السيناريوهات ، لحماية سلامة الحجاج وتقليل مخاطر انتقال العدوى ، معتبرا ذك مثالا على الخيارات الصعبة التي يجب أن تتخذها جميع البلدان لوضع “الصحة أولا” ، مضيفا أنه مع إعادة بعض البلدان فتح مجتمعاتها واقتصاداتها، أصبحت التساؤلات حول كيفية عقد تجمعات لأعداد كبيرة من الناس بأمان ذات أهمية متزايدة ، فيما ينطبق هذا بشكل خاص على أحد أكبر التجمعات الجماهيرية على وجه الأرض، “الحج”.
تحقيق الأمن الصحي العالمي.. كيف؟
وتحقيقا لهذا الهدف (الحفاظ على الأمن الصحي العالمي) على ارض الواقع ، اوضح وزير الحج محمد بنتن ان الهيئة العليا للحج عملت مع وزارة الصحة لتحديد وتعيين الشروط الخاصة بأداء فريضة الحج، والتأكد من عدم تفشى فيروس كورونا ، مضيفا خلال مؤتمر صحفي سابق بحضور وزير الصحة ، أن حج هذا العام سوف يكون بأعداد قليلة ومحددة وبدون حشود مع تطبيق الاجراءات الصحية الاستنثائية، مشددا على أنه سوف يكون هناك تباعد اجتماعي، وغيرها من الاجراءات من أجل منع تفشى الفيروس ، مؤكدا أنه لا وجود أي احتمالية لمشاركة حجاج من الخارج ، مشيرا الى أنه جار التنسيق بين وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية الموجودة داخل المملكة لإيجاد آلية لتحديد أعداد من سيؤدون الفريضة من المقيمين على اراضيها ، فيما سيتم الإعلان لاحقا عن آلية التقدم لراغبي أداء الفريضة ، مشددا انه لن تكون هناك اى استثناءات في قبول حجاج من خارج المملكة ، حرصا على صحة وسلامة الحجاج ، مضيفا : أننا ندرك مخاطر فيروس كورونا ومخاطر انتقاله من حجاج الخارج عبر الرحلات الدولية ولذا ألغينا قبول الحجيج من الخارج هذا العام .
إجراءات صحية مشددة لسلامة الحجاج
وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة، أكد من جانبه أنه ضمن الإجراءات الصحية التي ستتخذ لضمان سلامة حجيج هذا العام، إقامة مستشفى ميداني، ومركز صحى في عرفة، إضافة لوجود طواقم طبية مجهزة بكافة الإمكانيات لإسعاف أي حالات من الحجيج ، منوها الى أنه سوف يتم فحص جميع المشاركين في أداء الفريضة ، وتوفير كافة الإجراءات الوقائية والاحترازية والحرص على تحقيق التباعد الاجتماعي، وكذلك خضوع جميع المشاركين للعزل المنزلي عقب انتهاء المناسك ، مشيرا الى ان هناك خطة صحية دقيقة لمتابعة الحجاج وأوضاعهم الصحية خلال فترة أداء المناسك ، من بينها توفير سيارات إسعاف مجهزة في حال أي طارئ وفرق طبية ستكون متواجدة طوال فترة الشعائر ، مبينا في هذا السياق أنه لن يتم قبول الحجاج فوق سن 65 عاماً، أو ممن يعانون أمراضاً مزمنة ،مشيراً إلى أن من بين تلك الإجراءات اخضاع الحجاج لفحص طبي قبل الوصول إلى المشاعر المقدسة ، منوها الى أن الحجاج سيخضعون لعزل منزلي فور انتهائهم من اداء مناسكهم.
جهود المملكة في مواجهة الجائحة عالميا
ويأتي قرار المملكة بالحفاظ على (الأمن الصحي العالمي ) ،امتدادا لدورها لدعم الجهود العالمية في مواجهة الجائحة، وذلك عندما أعلن وزير المالية محمد الجدعان عبر قناة CNN الامريكية ، تعهد المملكة بتقديم 500 مليون دولار للمنظمات الدولية لدعم مكافحة الوباء ، وذلك في اطار تعهد قادة مجموعة العشرين G20، خلال
الاجتماع الذي رأسه الملك سلمان بن عبد العزيز عبر تقنية (الفيديو كونفراس) ، بضخ 5 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي للحد من الآثار الاقتصادية للجائحة ، فيما اعلنت المملكة في بيان، إنها ستقدم 150 مليون دولار للتحالف الدولي للاستعداد للوباء والابتكار ، و 150 مليون دولار للتحالف العالمي للقاحات والتحصين ، و 200 مليون دولار لمنظمات وبرامج صحية دولية وإقليمية أخرى.
كما يأتي دعم المملكة للجهود العالمية لمواجهة الجائحة ، استجابة للنداء العاجل الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية لجميع الدول والرامي إلى تكثيف الجهود من أجل اتخاذ إجراءات عالمية لمحاربة انتشار فيروس كورونا ، حيث وجه الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتقديم دعم مالي قدره عشرة ملايين دولار أمريكي لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة الوباء ، ما يجسد مواقف المملكة الإنسانية خلال الأزمات التي يتعرض لها العديد من الشعوب في شتى أنحاء العالم ، ويعكس حرصها على تسخير إمكاناتها ومواردها في خدمة قضاياها، بالتعاون الكامل مع الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظماتها والمجتمع الدولي لتحقيق كل ما فيه خير للبشرية.
مما يذكر أن المملكة، كانت قد أعلنت في وقت سابق، الانتهاء من إعداد خطط تنفيذية استثنائية لتنظيم موسم الحج، تتضمن كل المتطلبات الطبية، بما فيها العزل الصحي للحجاج قبل وبعد الحج؛ مؤكدة أن الأعداد لن تتجاوز 10 آلاف، وجميعهم من المتواجدين على أراضيها.