متابعات

كورونا تكشف سلوك العمالة السائبة

البلاد – مها العواودة

اعتبر خبراء اقتصاديون أن أزمة العمالة الوافدة في المملكة العربية السعودية والتي تجاوز عددها 13 مليون شخص غدت تنافس أزمة جائحة كورونا داعين إلى ضرورة التمييز بين العمالة النظامية التي يحتاجها الحراك الاقتصادي وبين العمالة السائبة التي تكلف البلاد كثيراً، والعمل الجاد على تقليص حجم العمالة بما يتناسب مع حاجة الاقتصاد والمجتمع، فضلا عن ترتيب ملاءة الاقتصاد من أجل استيعاب الكوادر الوطنية والتي اثبتت جدارتها في العمل وخصوصا خلال هذا الظرف الاستثنائي. وفي هذا السياق يؤكد الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور فضل البوعينين أن من أكثر ما تعاني منه المملكة هو حجم العمالة بشكل عام والعمالة السائبة بشكل خاص، حيث باتت هذه العمالة التي تجاوز حجمها 13 مليونا تتسبب بمشكلات اقتصادية وأمنية ومجتمعية وتضغط على الخدمات بشكل كبير، إضافة إلى أنها تؤثر في الأمن الصحي لأسباب مرتبطة بأماكن سكنها من حيث المواقع والمساحة المتاحة لكل فرد مقارنة بالمعايير الدولية والصحية والإنسانية للسكن.

مشيراً إلى ضرورة التمييز بين العمالة النظامية والتي يحتاجها الاقتصاد وبين العمالة السائبة والعمالة الهامشية وتلك التي تعمل بنظام التستر، ما يستوجب مراجعة حجم العمالة وتقليصها بما يتوافق مع الحاجة، وبما يحمي الاقتصاد والمجتمع من تضخمها بطريقة تؤثر على ديموغرافيا الوطن. لافتاً إلى وجود مشكلات اقتصادية قد لا يراها البعض ومنها حجم الحوالات المالية للخارج التي تتجاوز 140 مليار سنويا، ومشكلة التستر التي تنشط بها العمالة الوافدة غير النظامية، إضافة إلى الضغط على الخدمات التي تكلف الدولة ميزانيات ضخمة.
ويرى البوعينين أن مراجعة حجم العمالة بات ضروريا بل خيارا استراتيجيا أمنيا لا يمكن غض الطرف عنه.

تحديد المصير
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد شمس أن العمالة الأجنبية يحدد مصيرها القطاع الخاص على حسب درجة الاستفادة منها، فهي لا تخضع لمعونة الدولة النقدية كما هو الحال للعمالة السعودية، ويرى أن القطاع الخاص سيخسر خبرات العمالة الأجنبية التي دربها خلال السنوات الماضية بتسريحها، مشيراً إلى أن من الأفضل اقتصاديا واجتماعيا الاحتفاظ بالعمالة السعودية في القطاع الخاص حتى ولو تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية مع انخفاض أجورها، هذا بدلا من تسريحها وخلق بطالة عمالية سعودية من الشباب لكلا الجنسين. مؤكداً أن ارتفاع معدل البطالة له مخاطره الجسيمة، والدولة حريصة على عدم تفشى البطالة بين السعوديين.

طفرة اقتصادية
يؤكد الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور إياس آل بارود أن الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها المملكة في بداية السبعينات الميلادية قد أدت إلى استعانة المملكة بكثير من الأيدي العاملة في شتى المجالات من بلدان كثيرة للمساهمة في التنمية بعضها عمالة غير مؤهلة والكثير منهم غير مدرب، والمتضرر هو المواطن السعودي الذي يدفع فاتورة التجارب وكذلك الاقتصاد الوطني.
وأضاف ” منذ عام 2017 وانطلاق رؤية 2030 بدأت المملكة تؤكد على حاجه سوق العمل السعودي للعمالة الوافدة، شريطة أن تكون عمالة ماهرة ونوعية تضيف للاقتصاد والتنمية قيمة مضافة، ولها دور فعال في التنمية الاقتصادية وليس تلك التي تُشكل عبئاً على الدولة وعلى اقتصادها وسوقها”. مشيراً إلى أن الأثر الاقتصادي السلبي من وجود العمالة الرخيصة أصبح يفوق الأثر الإيجابي مقارنة بما كان في السابق، حيث استنزفت تلك القوى البشرية الموارد القومية والبنية التحتية، وزاحمت المواطنين في جميع الخدمات الحكومية المجانية، دون عطاء يوازي ذلك الاستنزاف وتلك المزاحمة، خصوصا من طبقة الموظفين في المستويات المتوسطة، وأصحاب المهارات البسيطة.
معتبراً أن هذه الأزمة ستعيد هيكلة أنظمة كثيرة في التوظيف والتي ستحرص على توظيف المواطن السعودي للتقليل من البطالة، وجعل حركة الأموال داخلية، للحفاظ على الاقتصاد الوطني.

معالجة التستر
في السياق قال عضو اللجنة السعودية للاقتصاد الدكتور عبد الله المغلوث:”في ظل الطفرة الاقتصادية وما صاحبها من انتعاش أسعار النفط والتوسع في البناء والتشييد والتنمية في دول الخليج والمملكة العربية السعودية إحدى تلك الدول قامت بفتح مجال استقدام الأيدي العاملة كي تسهم وتشارك في تنمية وتنفيذ تلك المشاريع، إلا أن ذلك صاحبه استقدام عمالة لم تكن لها إضافة في المجتمع السعودي بل جلبت ثقافات وخبرات لا ترتقي إلى مستوى التنمية والأخلاق والتعامل”.
ويرى المغلوث ضرورة تعديل الأنظمة بحيث تعالج أمر التستر، والسماح للأجانب بالعمل وفق شروط صارمة تمكن من الاستفادة من الضرائب المهدرة، والتحكم في حركة المال عن طريق مراقبة الأعمال، حيث أن هناك كثيرا من الأموال التي تكوٌن ما يسمى تجارة الظل، والتي يقوم بتحويلها بعض المغتربين الذين يعملون بأعمال غير شرعية أو غير نظامية عبر إرسالها مع المسافرين إلى بلادهم خارج نطاق التحويلات البنكية الشرعية، وقد تفوق التحويلات المعلنة بنسب كبيرة، حيث باتت المملكة ثاني أكبر بلد في العالم من ناحية التحويلات الأجنبية بعد الولايات المتحدة .

تسريح العمالة
كما تؤكد مستشارة التنمية الاقتصادية الدكتورة نوف الغامدي أن الغالبية العظمى من العمالة الوافدة هي من دول آسيوية مثل الهند والباكستان وبنغلاديش والفلبين، وأن الغالبية منهم تعمل في مؤسسات القطاع الخاص، وتندرج تحت الشرائح الدنيا في سوق العمل، والتحدي الأول هنا يتمثل في عدم مقدرة اقتصادات دول المجلس في ظل الظروف الراهنة والمستقبلية المنظورة على الاستمرار في تحمل واستيعاب هذا العدد الضخم، إضافة إلى المحافظة على وظائف العمالة الوطنية وامتصاص الأعداد المتدفقة منها سنويًا إلى سوق العمل. لافتة إلى أن الكثير من مؤسسات القطاع الخاص، قد بدأت مجبرة ومضطرة في هذه الفترة، إلى تسريح أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية وإطلاقها في سوق العمل المتقلصة لينضموا إلى صفوف العمالة السائبة العاطلة، لتصبح المشكلة أكثر خطورة وتعقيدًا.

واستطردت أن السعودية بادرت في هذا الظرف الاقتصادي والاجتماعي العصيب، إلى تبني مجموعة من البرامج والمبادرات الهادفة إلى المحافظة على سلامة الوضع الاقتصادي ومساندة القطاع الخاص، بهدف مساعدته على الصمود والحفاظ على العمالة الوطنية، ورفعت شعار (سلامة المواطن والمقيم أولاً) إلا أن الوضع إذا استمر على ما هو عليه لفترة طويلة، وهذا ما هو متوقع، فإننا سنكون مضطرين ومجبرين ولن يكون أمامنا خيار آخر، سوى مد شبكة الرعاية والحماية للعمالة الوافدة، وخصوصًا الأعداد الكبيرة التي ستتزايد وتتضاعف من العمالة الأجنبية السائبة العاطلة المطلقة في السوق؛ وإلا فإن الحاجة والجوع ستدفع هذه العمالة لأن تصبح فعلًا “قنابل موقوتة” تستنزف الاقتصاد، وقد تكون لهم آثار سلبية، يضاف إلى ذلك أن العمالة الأجنبية تحت الشرائح الدنيا من سوق العمل والسائبة منها صارت تشكل سلاحا ذا حدين في وجه حرب هذه الدول ومواجهتها لجائحة كورونا ومحاولاتها الحد من انتشارها؛ إذ أصبحت هذه العمالة من أبرز وأسهل أهداف فيروس كورونا وأكبر ضحاياه؛ نتيجة لافتقارها للوعي المطلوب ولأسلوب حياة أفرادها وكثرة اختلاطهم وعدم تمكنهم من تطبيق أنظمة ومقتضيات التباعد الاجتماعي؛ بسبب تواجدهم الكثيف في مواقع العمل وتكدسهم في مجمعات سكنية مكتظة ضيقة ينقصها الكثير من أبسط المتطلبات الصحية، في الوقت نفسه فإن هذه العمالة بعد إصابتها بالفيروس تتحول إلى منابع من الأخطار والتهديدات، وتصبح وسيلة وقناة لنشر الوباء وانتشاره.

وأضافت:”في أزمة كوفيد-19 الحالية تبين جانب آخر من المخاطر المتعلقة بالأعداد الهائلة من العمالة الأجنبية، التي لم يكن من ضمن شروط المناقصات الحكومية ومشاريع القطاع الخاص المختلفة ضوابط قوية بمتطلبات بيئة العمل والسكن التي تحقق المعايير الصحية المطلوبة وجودة الحياة. ولا شك أن جهود الدولة في الأعوام الأخيرة عدلت من الوضع كثيرا من خلال برامج “الرؤية”، إلا أن الأزمة الحالية قد تساعد على تقنين نواحي التطبيق الصحيح”. توطين الوظائف

ودعت الغامدي إلى ضرورة التفكير بطرق أكثر انفتاحا وليس فقط من خلال القوانين والأنظمة الحالية المتعلقة بتوطين الوظائف، ومن الحلول الممكنة بيئة أقوى لريادة الأعمال ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال تفعيل البرامج المختصة في دعم المشاريع، التي لا يزال بعضها في طور الدراسة والتنفيذ. مؤكدة أن الأزمة الحالية تتطلب تسريع إنجاز هذه المبادرات الحكومية المهمة، ليكون مجال التوظيف للسعوديين أكثر سعة وتنوعا في القطاع الخاص وريادة الأعمال بدلا من تراكم الأعداد في الوظائف الحكومية بما قد لا يمكن استيعابه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *