تحمل وتكبد العالم في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد؛ خسائر اقتصادية ضخمة وافلاسا، وسخرت العديد من الدول للحد من انتشار فيروس كورونا الكثير من الموازنات والموارد، واستقطعت أكثر الدول نسبة من موازناتها المالية الإنمائية للحد من انتشار الفيروس، وما تبع ذلك من إجراءات وتدابير احترازية ووقائية تمثلت في الإيقاف التام لأكثر الأنشطة الاقتصادية، في إطار سياسات احترازية، بما يساهم في الحد من انتقال الفيروس والتقليل من انتشاره، توافق مع ذلك الانخفاض الحاد في أسعار النفط الذي شكل هو الآخر تحديا اقتصاديا أثر سلبا على الموازنات الإنمائية للدول فكانت مدخلا لاتخاذ تدابير أكثر فاعلية في هذه المواقف المأزومة.
فالمملكة كغيرها من دول العالم المعتمدة في اقتصادها على النفط قد تأثرت جراء التدني الحاصل في أسعار النفط والتحديات الاقتصادية التي فرضها انتشار فيروس كورونا على الموازنة العامة والمنظومة الاقتصادية وبيئات الأعمال. فالمرتكزات الرئيسية في أجندة المملكة المستقبلية، لمواجهة الآثار الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وتحقيق الوفرة المالية في الإنفاق الحكومي والتقليل من عجز الموازنة؛ فقد ارتأت في ظل جائحة كورونا منطلقات حكيمة والبدء بوضع خطط مرسومة، عبر جملة من الإجراءات الاستباقية للحد من تأثير انخفاض أسعار النفط وسرعة التخطيط لمجموعة من الإجراءات التي تستهدف تحقيق المزيد من التوازنات الاقتصادية، وإعادة برمجة الأولويات وخفض النفقات بما يتلاءم مع التعامل مع هذه الأزمة برؤية استراتيجية وبقراءة أكثر عمقا وبخطط أكثر مهنية لبناء اقتصاد قوي والخروج من هذه الأزمات بأقل الخسائر الممكنة لضمان الوصول باقتصادنا الوطني إلى مستويات عالية من القوة والتمكين، لإعادة توجيه المسار وفرض الأمر الواقع الذي يحفظ لاقتصادنا مكانته القوية، وتؤسس لبناء مجتمع قادر على العيش في الظروف الصعبة والتعامل مع هذه الجوائح بروح المواطنة.
هذا التوجه من شأنه أن يزيد في المرحلة المقبلة من تفعيل فرص التنويع الاقتصادي لمواجهة أثر انخفاض أسعار النفط بما تشكله هذه الإجراءات الجدية من فرص لإعادة ترتيب الوضع الاقتصادي والحد من حالة الاستنزاف السلبي للموارد لضمان الاستقرار الاقتصادي والمالي وفق سياسة مدروسة تراعي تحقق فرص أفضل، ورؤية استشرافية اقتصادية تستفيد من الواقع وتستثمر من المستقبل، والمواطن هو المحور الأساسي للتنويع في بيئات الأعمال يكون فيها المواطن وحضوره الفاعل في أنشطتها وخططها أولوية وطنية مرغوبة، يتخذ فيها وطننا الغالي السياسات المعدة، لاستثمار القوى العاملة الوطنية، وإعادة النظر في هيكلة واقع الأيدي العاملة الوافدة وتنظيمها؛ بما يخدم الالتزامات الحكومية والضرورات المرتبة على سير الأعمال، لصنع من الواقع الاقتصادي فرصة لتقديم الأفضل، بما يجعل المملكة في خط أمان اقتصادي يتفاعل مع معطيات الواقع ومألات المستقبل، كل هذا يرتبط بوعي المواطن نفسه وإدراكه لمتطلبات هذه المرحلة، وما تعنيه هذه الظروف في مسار الأمان الوطني، ليكون بذلك سندا للحكومة في كل ما تتخذه من تدابير وإجراءات.
في ظل الشدائد والصعاب نفتح نوافذ الأمل وأبواب الإيجابية، لوطننا الغالي الحبيب الذي أعطانا الكثير ويستحق الكثير من عطائنا وتضحياتنا.
معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية