نداء للفرحة من الله –عز وجل – يمنحنا الحياة من عام لعام في قصة، وكأنها تترنم بذكراها أعواماً طالت مُنذ أكثر من ثمانين عاما، صدحت بها سيدة الغناء أم كُلثوم أمام آخر ملوك مصر، بليلة عيد الفطر مساء 29 رمضان في العام الهجري 1363، الموافق 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1944، ولُقبت من أجلها بـ «صاحبة العصمة» رسمياً، بل ولم تقتصر بهجة الكلمات على عيد الفطر وحسب، بل أصبحت للعيدين معاً «يا ليلة العيد آنستينا، وجددت الأمل فينا»، ليكون يوماً يهواه كل المسلمين في أقطارنا العربية والإسلامية، وعادة لم يُغيرها فيروس «كورونا» الذي فرض حجراً علينا وَمَنْعنَا من كثير سُنننا التي حبانا بها نبينا المصطفى، فأعيادنا مُفعمة بالحياة نابضة بالأمل، فلا مكان للأحزان فيه خلافاً لبعض الأمم كالأعياد الجنائزية لدى الفراعنة، وعيد الغفران اليهودي، وغيرهما.. لنستقبل أعيادنا بفرحة واحدة عمادها الإيمان بالله وحُب الإنسانية، لما فيه من إظهار للسرور ورفع شعائر الدين الحنيف.
فليس العيد بالخروج فقط، والزيارات والهدايا بل بالمسؤولية، ولأنه مدرسة تربوية واجتماعية عظيمة، كللتها دولتنا الرشيدة بالتخفيف عن كاهل المواطنين والمُقيمين، فقد تبادلت وإياهم التبريكات والتهاني عبر مُكبرات الصوت التي جابت شوارعنا بالهدايا والأغاني المُفرحة، وعبر الرسائل وغيرها، حُباً فينا وحفاظاً علينا، والمؤمن اللبيب الواعي، يبتعد الآن ليقترب ممن يُحب غداً، وليتبادل تهانيه عبر صناعة الإنسان له من تقنيات إلكترونية، وما سَمَّى عيداً إلا لعود السرور بعوده وكثرة عوائد الله تعالى فيه بالإحسان، وإدخال البهجة والسرور في نفوس الناس مهما باعد بيننا الوباء، ورُسمت الحدود، فرب ضارة نافعة، فالكل مسؤول… ولقد صدق مصطفى صادق الرافعي بوصفه للعيد: العيد ليس إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مُسْتَعْلِمَة للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة؛ بروح الأسرة الواحدة في الأمة كلها).
فقد جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم، لكنه في النفوس أعواماً مديدة رغم قلة ساعاته، ليكون كما وصفه الرافعي بوحي القلم: يوم السلام، والبشر والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: وأنتم بخير، يوم الثياب الجديدة على الكل. لتكون نتيجته: ليكون الناس جميعًا في يوم حب، يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه، يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة، ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة، ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة، وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل).
فاعمل على صيانة مجتمعك بكل أشكال الإنسانية، وشمّر عن ساعدك لمساندة بيتك ومجتمعك السعودي والبشري، فعيدنا أضوى عيد، وكُن مسؤولاً وتبادل التهاني وغيرها عبر العالم الافتراضي الصغير، واحم نفسك ومُجتمعك، تقبلها الله منا ومنكم وأزال عنا هذا الوباء. وحفظ الله لنا مليكاً حكيماً وولي عهد في ثالثة البهاء والنجاح برؤيته الشابة بخير علينا جميعاً. وعيدكم سعيد.