اجتماعية مقالات الكتاب

إلى أين تتجه العلاقات الدولية بعد جائحة كورونا؟ (5-3)

إن من يراهن على أن دولة الملالي المارقة ستتخلى عن أنشطتها العدائية، هو كمن يعتقد بأن الشمس لن تشرق يومًا، فتلك الدولة تأسست على الشرّ والعدوان، والأحقاد التاريخية والمذهبية والطائفية، ولا يمكن أن تتغير ..وما دعاني للإشارة إلى ذلك هو عدة أمور أولها: أن هذه السلطة في إيران تمثل الدولة المارقة في العلاقات الدولية والنظم السياسية التي لم ولن يغير سلوكها حتى بعد ما حلّ بها من جائحة كورونا، وثانيها: أن ما حدث في موسم حج 1410هـ وما قامت به بالتعاون مع عملائها في المنطقة، وذلك بعد أن تحلل الكثير من الحجاج من إحرامهم، لا يمكن أن ينسى، ثالثها: أن نظام ولاية الفقيه لا يتورع في انتهاك سيادة الدول، وحقوق الإنسان، والمواثيق والأعراف الدولية، والشواهد كثيرة .

والحق أن العلاقات بين الدول محكومة بقوانين، وتشريعات ونصوص تراعي المقاصد والمصالح، وهذا يجعل من المرجح أن يكون لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ومنظمتها والبنك الدولي والمنظمات الإقليمية دور أكبر من ذي قبل بعد جائحة كورونا، لتخفيف آثارها على مختلف المستويات، خاصة وأن الواقع يشهد على معاناة الكثير من الدول بما فيها الدول الكبرى.

ولقد نجحت المملكة في حربها ضد هذه النازلة، حيث قدمت للعالم نموذجًا متميزًا في إستراتيجية التعامل مع الأزمة بكفاءة وفاعلية، وكان لتوجيهات القيادة الحاسمة يحفظها الله، ومتابعة التطورات والتركيز على الاستعدادات المبكرة باتخاذ الخطوات والقرارات الاستباقية الاحترازية المسددة الأثر الفعال الأكثر نجاعة وحزمًا، وكان التعاون بين الجهات والمؤسسات وفرق العمل ذات العلاقة في أعلى مستوياته: وهذه الإدارة الرشيدة ستكون بلا شك محل اهتمام وإعجاب العالم، بل ستصبح التجربة السعودية مجالًا للاسترشاد بها والاستفادة من معطياتها.

إن الأوبئة والأحداث الجسيمة التي شهدها العالم تعد إيذانًا بتغيرات جذرية في العلاقات الدولية والنظام العالمي، ومن هذه الأحداث: الحربان العالميتان وما أعقبهما، وانهيار العثمانيين وتلاشي الصراعات الأوروبية، وتقلص دور الكنيسة، وتأسيس هيئة الأمم المتحدة، ثم انهيار الاتحاد السوفييتي بعد فترة طويلة من الحرب الباردة، وتصدر الولايات المتحدة النظام الدولي، وكانت أيضًا أحداث 11 سبتمبر مرحلة لها حيثياتها وتداعياتها. والآن فإن العالم على أعتاب مرحلة ما بعد كورونا في العلاقات الدولية؛ حيث ستحتفظ الولايات المتحدة بدور قيادي، لأنها الأقوى في التقنية والفضاء والجيش والصناعة والبحرية والمال والأعمال وغيرها من المجالات، على الرغم مما تكبدته من خسائر بشرية وتريليونات من الدولارات، وما تعرضت له من صعوبات في النظام الصحي من جراء آثار جائحة كورونا.

وستصعد قوة الصين إلى حد يتساوى مع إمكاناتها، وإن كانت الأنظمة الماركسية لن تكون محل جاذبية للعالم، وسيتذبذب الاتحاد الأوروبي في مجمله غير أن ألمانيا ستتصدر المشهد لإمكاناتها الكبيرة وطرق معالجتها للأزمة، وستتعالى الأصوات المطالبة بمعالجة التشوهات والاختلالات التي تعرضت لها الصحة العالمية ومنظماتها، والتنمية المستدامة، والتجارة الدولية، وحقوق الإنسان، وأيضًا قطاع العمل والعمال، والسياحة، والتوظيف، والقطاع الصحي، فضلًا عن القيم الغربية، وستزدهر المعرفة وشركات تصنيع الأدوية، وسيكون للتكافل الإنساني النصيب الأوفر من الاهتمامات العالمية، من خلال الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، مع أنه ليس بمستبعد ظهور تيار يدعو إلى الانكفاء والتمحور حول مصالح الدولة الوطنية.
*وكيل جامعة نايف العربية للشؤون الاكاديمية سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *