كتب المحرر الاقتصادي
لايزال العالم ومنه المملكة ، يدفع فاتورة اقتصادية باهظة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا وخسائر تقدرها المؤسسات المالية الدولية بنحو 9 تريليونات دولار ، في أسوأ أزمة يتعرض لها الاقتصاد العالمي وتهدده بكساد واسع.
وعلى مدى أكثر من شهرين اتخذت المملكة حزمة من القرارات والمبادرات المالية بلغت نحو 200 مليار ريال لتخفيف آثار الأزمة على القطاع الخاص وشركاته الكبرى ، وبدرجة أكبر المنشآت الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال بدعم الرواتب باعتبار المواطن شريك في تحقيق التنمية والهدف الأهم لها لكافة المكتسبات التاريخية والإصلاحات الكبرى التي أنجزتها المملكة خلال السنوات الأخيرة ، وفي نفس الوقت تأمين الاعتمادات الكبيرة لدعم امكانيات وجاهزية القطاع الصحي للحفاظ على صحة وحياة المواطنين والمقيمين.
وعلى ضوء ضخامة الأكلاف الاقتصادية ، واستمرار مبادرات الدعم الحكومي لكافة القطاعات المتضررة والعاملين فيها ، مما يمثل عبئا ماليا متزايدا ، كان من الضروري أن تتخذ الحكومة قرارات صعبة مؤقتة ، خاصة مع التحديات الكبيرة في الإيرادات بتراجع أسعار النفط العالمية التي فقدت نحو 60 % بعد تفشي الجائحة وشلل الاقتصاد العالمي .
قرارات أقل ضررا
هذه التحديات التي أشار إليها وزير المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط المكلف محمد الجدعان ،- بحسب واس- أدت إلى انخفاض الإيرادات الحكومية، والضغط على المالية العامة إلى مستويات يصعب التعامل معها لاحقاً دون إلحاق الضرر بالاقتصاد الكلي للمملكة والمالية العامة على المديين المتوسط والطويل وبالتالي ، وفق تأكيد الوزير ، “وجب تحقيق مزيد من الخفض في النفقات، وإيجاد اجراءات تدعم استقرار الإيرادات غير النفطية، وبناءً عليه قامت وزارتا المالية والاقتصاد والتخطيط بعرض التطورات المالية والاقتصادية والإجراءات المقترحة لمواجهة هذه التطورات. حيث صدر التوجيه باتخاذ أكثر الإجراءات ملائمة وأقلها ضرراً وأخفها حدة.
وتفصيلا لذلك أوضح وزير المالية، أن ما تم إقراره من إجراءات جديدة لدعم الإيرادات بلغ 100 مليار ريال تقريبا ، تشمل:
– إلغاء أو تمديد أو تأجيل لبعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية.
– خفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي (1441 / 1442 هـ ) (2020م)
– تقرر إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر (يونيو) لعام (2020م).
– رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من (5%) إلى (15%) بدءاً من الأول من شهر (يوليو) لعام (2020م).
ولرفع كفاءة الصرف، تم تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين المدنيين ومن في حكمهم الذين لا يخضعون لنظام الخدمة المدنية في الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات والمراكز والبرامج الحكومية، والرفع بالتوصيات خلال (30) يوماً من تاريخه.
الأمن الصحي والاقتصادي
إن هذه القرارات الحتمية تؤكد الحرص على استمرار قدرة الاقتصاد الوطني، خاصة وأن الأزمة الراهنة لم يشهد العالم مثيلاً لها في التاريخ الحديث، فمن أهم سماتها ، كما قال الوزير الجدعان ، عدم اليقين وصعوبة معرفة واستشراف مداها وتداعياتها في ظل تطورات يومية تتطلب من الحكومات التعامل معها باليقظة والقدرة على اتخاذ القرارات الملائمة في الأوقات المناسبة وسرعة الاستجابة والتكيف مع الظروف بما يحقق المصلحة العامة وحماية المواطنين والمقيمين وتوفير الاحتياجات الأساسية والخدمات الطبية الضرورية، وأن الإجراءات التي تم اتخاذها اليوم وإن كان فيها ألم إلا أنها ضرورية وستكون بإذن الله مفيدة للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل وعلى المديين المتوسط والطويل، لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.
لذلك تكمن أهمية هذه الإجراءات لحماية اقتصاد المملكة لتجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية غير المسبوقة وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة. ويؤكد ذلك استمرار حساب المواطن.
المكتسبات وإدارة المواد
رغم الأعباء الكبيرة الطارئة على الاقتصاد الوطني، استطاعت المملكة بمبادرات الدعم غير المسبوقة من الحفاظ على مكتسبات المواطن والتنمية، من خلال معطيات وحقائق مهمة منها:
– الحرص على استمرار الانفاق مع إعادة تخصيصه وتنظيمه لتعظيم درجات الاستفادة المباشرة ، ووفق وزير المالية محمد الجدعان في مقابلته مع وكالة “بلومبرغ” سينتهي الإنفاق العام كما هو مقدر له ، حيث تم توجيهه لدعم الاقتصاد والقطاع الخاص وقطاع الرعاية الصحية بعد أزمة كورونا، وأن التخفيضات التي ستتم ، ستحصل بأي حال بسبب الإغلاق والإجراءات الاحترازية.
– إعادة ترتيب أولويات المشاريع والنفقات التشغيلية التي يمكن تأجيلها أو مراجعتها، على ضوء تحديات الجائحة، مع استمرار الإنفاق في بعض المشاريع كالإسكان والضيافة وغيرها حسب جدولها الزمني، والبعض الآخر سيتم تأجيله وتمديده إلى العام المقبل والعام الذي يليه.
– الأولوية تتمثل في الرعاية الصحية وحياة المواطنين، ودعم الوظائف لضمان استمرار العمل في القطاع الخاص، إضافة الى استمرار برنامج حساب المواطن.
– الجانب الآخر أنه بالرغم مما يحدث في العالم حاليا على الصعيد الاقتصادي المأزوم ، إلا أن المملكة لا زالت ملتزمة بمواصلة الإصلاح وضمان قوتها المالية والمحافظة على احتياطياتها لتتمكن بعد الخروج من أزمة “كورونا” مرتكزة على اقتصاد مستقر قادر على مواجهة التحديات بعد خروجه من مرحلة الإغلاق.
وأمس أعلنت أرامكو تطبيق أسعار البنزين المحدّثة بانخفاض يقترب من 50% خلال شهر مايو الحالي ، مما يعكس توازن القرارات والثقة في الاقتصاد الوطني ودعم قدرته على التخفيف من آثار الأزمة الراهنة للجائحة.
أخيرا بالنسبة لإيقاف بدل غلاء المعيشة، فهو في الأساس بدل مؤقت وتأثير إيقافه سيكون محدودا جدا ، وبخصوص زيادة ضريبة القيمة المضافة، فقد أكد الوزير الجدعان، أن ذلك سيساعد الاقتصاد السعودي هذا العام، وسيظهر أثره بشكل أكبر خلال العام القادم والعام الذي يليه بعد الخروج من الأزمة.
مواجهة 3 صدمات
شدد وزير المالية وبوضوح على أن الأزمة العالمية لانتشار الجائحة تسببت بثلاث صدمات لاقتصاد المملكة كل منها كفيل بإحداث تغيير مؤثر على أداء المالية العامة واستقرارها ، وهو ماتتطلب تدخلا حازما من الحكومة بإجراءات قوية لاستيعاب هذه الصدمات التي حددها وهي:
– الصدمة الأولى : انخفاض غير مسبوق في الطلب على النفط أثّر سلباً على مستوى الأسعار وأدى إلى انخفاض حاد في الإيرادات النفطية التي تعد مصدراً كبيراً للإيرادات العامة لميزانية الدولة.
– الصدمة الثانية تمثلت في تسبب التدابير الوقائية الضرورية المتخذة للحفاظ على أرواح المواطنين والمقيمين وسلامتهم ومنع انتشار الجائحة في توقف أو انخفاض كثير من الأنشطة الاقتصادية المحلية وانعكس ذلك سلباً على حجم الإيرادات غير النفطية والنمو الاقتصادي.
– ثالث الصدمات المؤثرة على المالية العامة ، هي حجم الاحتياجات الطارئة على جانب النفقات غير المخطط لها التي استدعت تدخل الحكومة من خلال زيادة الاعتمادات لقطاع الصحة بشكل مستمر لدعم القدرة الوقائية والعلاجية للخدمات الصحية. إضافة إلى اعتماد عدد من المبادرات لدعم الاقتصاد وتخفيف أثر الجائحة والمحافظة على وظائف المواطنين.
الثقة في الاقتصاد السعودي
مؤخرا صنفت وكالة “موديز” المملكة عند (A1)، وهو ما يعكس الثقة الكبيرة التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي ، كما يعكس تصنيف موديز قوة المركز المالي للمملكة وقدرته على مواصلة النمو ومواجهة التحديات، خصوصاً في ظل الأزمات والظروف الاستثنائية التي يشهدها العالم حالياً ، كما أن الصنيفمدعوم أيضاً بسياسة نقدية فعالة تحافظ على مصداقية ربط سعر الصرف والاستقرار المالي والاقتصادي الكلي ، فيما قال صندوق النقد الدولي، الشهر الماضي، إن النظام المالي السعودي في وضع جيد يمكنه من مواجهة الآثار الاقتصادية لفيروس كورونا وتقليلها.
ونما القطاع غير النفطي في السعودية بنسبة 3.3% خلال 2019، وفقاً للأرقام الصادرة مطلع مارس عن الهيئة العامة للإحصاء، وهو أعلى معدل منذ 2014.