أزمة عالمية واضمحلال سياسي، كساد وإفلاس دول عُظمى، تمتلك اقتصادًا متينًا، أربك أركانها سلبياً بخسائر تتراكم وبشكل دراماتيكي، مُدمرة للاقتصاد العالمي -بما فيها اقتصاد منطقتنا- وتفادياً لتداعياتها لجأت العديد من الدول الصناعية الكبرى والدول النامية ودول الخليج إلى رصد ميزانيات ضخمة وإغراق السوق بعملاتها بهدف تحفيز الاقتصاد، وبعضها بدأ في تخفيض أسعار الفائدة والضرائب، وكذلك زيادة الإنفاق الحكومي على مختلف مناشط اقتصاداتها بهدف إنعاشه وتفادي دخوله العناية المركزة بحدوث كساد اقتصادي قد يطاله، حتى صار مصير الاقتصاد العالمي يتسم بالغموض إلى حد غير مسبوق.
وفي رأيي أنه نادرًا ما ستخرج من تلك الأزمة إلا الدول الأكثر قدرة على التعافي الاقتصادي بحسب قدرة بيئة ممارسة الأعمال على التكيف مع الأزمات، ومدى المرونة الاقتصادية، وبعض العوامل كالاستقرار السياسي، والأُطر والقواعد التنظيمية التي تضعها الحكومة لإدارة الشركات والرقابة عليها، وبيئة المخاطر واستقرار سلسلة التوريد والشفافية، ومدى سرعة استجابة الدول للتعامل مع الأزمات، -ولله الحمد- سبقت قيادتنا بل أبهرت العالم بإشادة عالمية ومثيرة للإعجاب في إدارة الأزمات بشكل احترافي وبشفافية عالية، وتقلل حجم الخسائر الناتجة عن هذه الأزمة، وألا يكون تأثيرها قويًا على المواطن والمقيم وخصوصًا بعد إعلانها عن حزمة من الإجراءات بهدف تحفيز كافة القطاعات التجارية والصناعية والزراعية في البلاد. حتى أصبحت الأولى في مؤشر ثقة المستهلك العالمي لشهر مارس 2020 وتفوقت على أكبر 24 اقتصادًا عالميًا وحصلت على 65.1 % تليها الصين بنسبة 64.2 % ثم أميركا بنسبة 61.7 % ثم الهند بنسبة 57.7 %.
علما أن الصين ظلت محتكرة لهذا المركز لمدة 35 شهرًا. فكانت حكومتنا أسرع منا في التفكير والتخطيط فلبت احتياجات القطاع الخاص، أضعافاً مُضاعفة للمواطنين والمقيمين، لتستحق قيادة كُبرى اقتصاديات العالمG20 والسبب أنها تمكنت ان تفرض قوانينها وأنظمتها وتعليماتها دون الرجوع إلى الدول أو التجارب الأخرى، ووضعت خطة خاصة بها، بفضل المخزون المعرفي التي تتمتع به السعودية في تنظيم الحج والعمرة التي يفد إليها ضيوف الرحمن من كافة اصقاع الأرض، بجنسيات وثقافات ولغات مختلفة مكنها في مهارة ادارة الحشود وضبطها، مع سرعة اتخاذ القرار في التعامل مع أي ازمة وطريقة معالجتها، لذلك لم نرَ ارتباك أو حتى تراجع بعد اتخاذ القرار،
رغم ان هذه التجربة لأول مرة تواجهها السعودية مع بقية دول العالم التي تئن من كوابيسها، لهذا حينما بدأ الوباء بخطره على المُجتمعات، كانت أولى خطواتها اغلاق الحرم ومنع المعتمرين من السعي والطواف وحتى زيارة المسجد النبوي، مع البقاء على الصلاة جُزئياً في بيت الله الحرام، وكأنها للمرة الثانية تستحضر السعودية طريقتها في التعامل مع الأزمات فقبل عدة سنوات في مطاردة الارهابيين بطرق مختلفة حتى قضت عليهم بضرباتها الاستباقية مسجلة بذلك انجازات كانت محل ثناء واعجاب المجتمع الدولي، ليضرب تفوقها بامتياز على محاصرة كورونا مشاركة مختلف فئات المجتمع مع تعليمات وتوجيهات أجهزة الدولة المعنية والتزامها في تطبيق كافة الإجراءات. حتى نشرت كُبرى وكالات الإعلام، ومنها: “أسوشيتد برس” الأمريكية تقريرًا، بأن السعودية تُطبق أقصى درجات “الحذر” من كورونا. ووصفتها بأنها يمكن أن تُدرس في كيفية كبح تفشي الفيروس،
أما شبكة CNBC الأمريكية فوصفتها بأنها تأتي ضمن خطة خليجية كبرى ليدُل على ريادتها بالمنطقة، وأكدت وكالة “فيتش”، تصنيفها الائتماني طويل الأجل للسعودية عند ” A ” مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يعكس قوتها المالية، بما في ذلك الاحتياطيات الأجنبية العالية بشكل استثنائي، ونسبة الدين العام المنخفضة، بل وصنفتها وكالة “إس أند بي جلوبال” في مارس الماضي، للديون السيادية للسعودية عند ( 2 – A / – A ) مع نظرة مستقبلية مستقرة، قائلة إن تقديراتها للوضع القوي لصافي أصول المملكة يبقي عامل دعم رئيسياً للتصنيفات، لتمدَّ يد العون للدول العالم وإغاثتها في محنتها، وتلك مكارم العرب.
فكن مسؤولاً وابقْ بمنزلك، والتزام بالتعليمات بكل جدية.
حفظ الله بلادنا وقيادتنا والعالم أجمع ورفع الله الغمة عن الأمة.