البلاد – محمد عمر
جرائم الحوثيين لم تتوقف، بل أصبحت متنوعة، لا تراعي سنا أو جنسا، فطالت الرجال والنساء اللاتي أضطهدت وارتكبت بحقهن جرائم غير مسبوقة في تاريخ اليمن على مر العصور، خاصة تجاه الناشطات المجتمعيات والمبدعات على وجه الخصوص، ما يؤكد أن جماعة الحوثي تنظيم عصابي إيدلوجي مغلق مُبغِض للحرية والانفتاح والآخر، لذلك كانت معاناة المرأة المبدعة في ظل سيطرة الميليشيات بالغة الشدة والصعوبة في ظل تعذيب مضاعف لاقته الناجية الثالثة من جحيم الحوثي، مؤكدة أن المليشيات تفننت في تعذيبها حد الشلل.
الطالبة والشاعرة اليمنية أزال علي، روت تفاصيل قصتها لـ”البلاد”، مبينة أنها احتجت ضد ممارسات الميليشيات الإجرامية عبر تظاهرة سلمية غير أنها واجهت القمع والعنف المفرط، كمعظم رفيقاتها اللاتي تعرضن للضرب والركل وشج الرأس، ما تطلب معالجتها بـ8 غرز، ثم تعرضت للصعق بالكهرباء، ما تسبب في شلل مؤقت بيدها، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل حولت الميليشيات حياتها إلى جحيم لا يطاق بالملاحقات والتهديد والوعيد، ما أجبرها على عدم استكمال دراستها الجامعية والرحيل من اليمن، وفي ذاكرتها قصة مليئة بتفاصيل الالم والظلم والاحباط ومشهد تتقاذفه الخيبة واحزان شعب يواجه ممارسات عصابات خارج الوعي والانسانية. متذوقة مرارة الغربة والبعد عن الوطن والأهل وغموض مسارات المستقبل.
احتجاج ضد الظلم
وتقول أزال علي، 21عاما من البيضاء ورئيسة فرع نقابة الشعراء بالمحافظة: “كنت أعيش في صنعاء، وتوافقت مع زميلاتي الطالبات على تنظيم وقفة احتجاجية في 6 أكتوبر 2018 بميدان التحرير وسط العاصمة، للاعتراض على جرائم الحوثي وإفقاره للشعب اليمني وتجوعيه له، وكان عمري وقتها كان 19 عاما وأدرس بالسنة الأولى في كلية الحقوق، وكنت من الأوائل في الدراسة وشاعرة نبطية مجيدة، لذلك كنت مهتمة بتحصيل العلم والقراءة وكتابة الشعر، ولم يكن لي علاقة بالعمل السياسي، لكن التظاهرة كانت لأهداف إنسانية بحتة للمطالبة بتخفيف معاناة الناس، ومنع موتهم جوعا أو لجوء أطفالهم للتسول والتشرد، لذلك أعلن المشاركون فيها على وسائل التواصل الاجتماعي عن سلميتها وتفاصيلها، ولأن الميليشيات الحوثية لا تؤمن بالحرية أو بحق التعبير عن الرأي بالطرق السلمية، فقد توالت التهديدات العلنية من الميليشيات قبل الخروج بأسبوع، واعتقلوا كثير من الشباب في ليلة الإعداد للتظاهرة”.
تعذيب متواصل
ولفتت أزال إلى أن ميليشيات الحوثي فاجأتهم بحشد عناصرها المسلحة والآليات العسكرية بكثافة كأنهم على جبهات القتال، ولم يكتفوا بذلك بل ألقوا القبض على كل من يمشي في المكان حتى كبار السن، وبعد حصار ومطاردات استطاعت وبعض زميلاتها الفرار والتوجه إلى الجامعة، وكانت الميليشيات متحسبة ومستعدة بعرض عسكري لإرهاب الطالبات وحملات تفتيش وقمع وعدوان، حتى أنهم طعنوا حارس كلية الإعلام عند محاولته التدخل للدفاع عن الطالبات، وقد نقل للمستشفى في حالة حرجة وتوفي يرحمه الله في اليوم التالي، مشيرة إلى الميليشيات الحوثية حشدت فرعها النسائي “الزينبيات” بأعداد ضخمة للتنكيل بالطالبات، فكل طالبة يتم حصارها بعدة زينبيات، كانت خطتهم جرجرة الطالبات إلى أماكن مغلقة كالقاعات، وعند الوصول هناك اعتدوا على الفتيات بالضرب والركل واستخدام الهراوات والصعق بالكهرباء، وكن يلجأن إلى نزع عباءات وحجاب الفتيات حتى لا يستطعن الدفاع عن أنفسهن، وبعد حصص الضرب والتعذيب، تم اختطاف الطالبات وهي بينهن إلى السجن.
محاولة تسميم
وأكدت أزال علي أن “الزينبيات” تفنن في ابتكار وسائل التعذيب، حيث كدسن عشرات الطالبات في غرفة مع إرغامهن على الانحناء ورفع الأيادي في الوقت نفسه لمدة طويلة، وجرى صعقها بالكهرباء أكثر من مرة لأنها كانت تصر على ترديد أن الحوثيين هم السبب في الوضع الكارث لصنعاء. كما رفضت الانحناء ورفع اليدين. وأضافت “بين وقت وآخر، كانت زينبيات يلقين درسا لمحاولة غسل الأدمغة وتجنيدهن في صفوف الميليشيات، عبر تسويق أكاذيب عن فضائل الميليشيات يكذبها الواقع في كل مكان، حيث أنه بعد الحديث تتوالى التهديدات بالاغتصاب والشتم والقذف بأبشع العبارات، مع إجلاس الطالبات تحت أرجلهن ووضع السلاح فوق رؤسهن، كنوع من التعذيب النفسي والدوس على الكرامة”، منوهة إلى أنه بسبب مقاومتها تعرضت للضرب بعصا حتى شجت رأسها وتطلب الأمر 8 غرز لخياطة الجرح، وعندما شعرت بالعطش الشديد أثناء التحقيق معها رفضوا إعطائها من المياه الموجودة أمام المحقق، وأعطوها زجاجة ماء حيث اكتشفت بعد خروجها من الحجز إصابتها بالتسمم، حيث وضع فيها مبيد حشري بقصد “الموت البطئ”. وتابعت “حاولت الحصول على علاج، لكن المستشفيات رفضت خوفًا من عقاب الميليشيات الحوثية. وبعد ساعات طويلة من الاختطاف والاحتجاز دون معرفة أهلي عن مصيري في ظل نهب جوالي وبعد التوقيع على تعهدات بعدم المشاركة في أية تظاهرة أو وقفة احتجاجية أو فعالية، وإلا تعرضت للعقاب والاعتقال، أفرج عني في حالة جسدية ونفسية سيئة”.
المنفى الاختياري
نوهت أزال إلى أنها قضت فترة صعبة بسبب التسمم والضرب المبرح وشج رأسها والصعق بالكهرباء الذي تسبب بشلل مؤقت في يدها، وكانت منهارة وضاعف من آلامها عدم قبولها في أي مستشفى بناء على تعليمات الميليشيات الحوثية، وبعد نشر الفيديو الخاص بها وانتشاره بشكل واسع حاصرت الميليشيات منزلها، واتصل بها عميد الكلية وأخبرها بمنع دخولها الجامعة لأن الميليشيات تبحث عنها بشكل مستمر، وسارت الدوريات تجوب المكان أمام منزلها طوال الوقت، مما جعلها تلجأ إلى منزل أقارب لها في منطقة بعيدة بصنعاء، بينما كانت عائلتها في حالة قلق ورعب جراء المطاردات والمداهمات الحوثية.
وأضاف “رأيت أنني وأسرتي محاصرون، مع استحالة استمرار الأوضاع على هذا المنوال، فكان قراري مغادرة البلاد لتخفيف معاناة العائلة، خاصة أن تهديدات وصلت بتصميم الميليشيات على تصفيتي أو تغييبي في أقبية المعتقلات السرية، واستطعت الهرب ليلًا برفقة زميلة أخرى مطاردة من الميليشيات الحوثية ولبست نقاب وخرجت مع أسرة بدوية إلى محافظة مأرب، وبعد فترة وصلت العاصمة المؤقتة عدن وأقمت بها لمدة أسبوع، وبعدها إلى السودان حيث اندلعت الثورة ضد نظام عمر البشير، فاضطررت للمغادرة إلى ماليزيا لأعيش في أمان”.