الدولية

“الزينبيات” تعزيز التخلف وكابوس نساء اليمن

البلاد – محمد عمر

مسلسل القمع الحوثي للنساء لا يتوقف، فالمرأة لها نصيب كبير من التعذيب والانتهاكات الحوثية الممنهجة، فلا يشترط مشاركتها في أنشطة سياسية معادية للميليشيات المدعومة من إيران، حتى تلقى صنوفا من العذاب، يكفي أن تساهم في أي فعالية اجتماعية أو اقتصادية أو إنسانية لتكون محط تركيز من المليشيات ويطالها العنف الحوثي.

هاجر الشرقي فتاة جامعية يمنية (24 عاما)، وقعت ضحية التعذيب الحوثي، فقبل سنتين، كانت حياتها تسير بشكل معتاد، حيث تدرس في السنة الأولى بالجامعة، لكن مشاهد الفقر وشظف العيش الذي نشر الجوع في مناطق سيطرة الحوثيين، والذي تسبب في وفاة طفلة تعرفها حرك مشاعرها الإنسانية، ودفعها للمشاركة مع زميلات لها في وقفة سلمية احتجاجية بجامعة صنعاء ضد غلاء الأسعار، لكن الميليشيات التي لا تقيم وزنا لمعاناة اليمنيين أو اعتبارا للظروف الحياتية والإنسانية، اعتدت عليها ونظيرتها بشكل وحشي مستخدمة الفرع النسائي المسمى بـ”الزينبيات” التي وصفتهن الشرقي بأنهن “حمالات حطب” الحوثي، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تواصل الترصد والحصار حتى اضطرت هاجر إلى مغادرة البلاد هربًا من القمع الحوثي، مضحية بمستقبلها الدراسي في سبيل حريتها، متطلعة إلى زوال الغمة الحوثية حتى تعود للوطن.


دفاع عن جوعى
وتروي هاجر الشرقي، قصتها لـ”البلاد” قائلة: منذ بداية التمرد الحوثي واحتلال صنعاء كونت مع صديقاتي فريقا خيريا لمساعدة الفقراء والمحتاجين والأيتام والنازحين بجهود شخصية، وشاركت في الوقفات الاحتجاجية لأمهات المعتقلين مع نشاطي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن وفاة الطفلة هند من الجوع أثار غضبنا وحزننا على الوضع الذي وصل إليه المجتمع من فقر ومجاعة وغلاء المعيشة، بسبب التمرد الحوثي الذي أشعل الحرب في اليمن، فتم الاتفاق عبر بعض مواقع التواصل الاجتماعي على النزول يوم 6 أكتوبر عام 2018 إلى ميدان التحرير وجامعة صنعاء، للمطالبة بخفض أسعار المواد الغذائية، وإيصال صوت الجياع لوقف المهازل الحوثية.

وتضيف الشرقي أنها وصديقتها رحاب تحركتا إلى ميدان التحرير الذي يقع وسط العاصمة صنعاء مشيا على الأقدام، وكانتا تشاهدان جموعا مسلحة للميليشيات تتجه إلى الميدان، ويتحدثن بالتهديد والوعيد لمن سيشارك في الفعالية، وخاصة عند مشاهدتهم لأي امرأة، وعند الوصول لميدان التحرير تفاجأت وصديقتها بإمتلائه بالحشود الحوثية المسلحة ووجود مدرعات وأطقم عسكرية، وبدأت المضايقات والتحرشات وتتبع أي امرأة، لأن الفعالية كانت خاصة بالطالبات، ولم يسمحوا بالوقوف أو الاقتراب من وسط الميدان، وبالتواصل مع بعض الزميلات تبين اتجاههن إلى جامعة صنعاء، بعدما حولت الميليشيات الحوثية ميدان التحرير إلى ثكنة عسكرية.


الجامعة “منطقة عسكرية”
ولفتت الشرقي إلى أن الصورة في جامعة صنعاء كانت مرعبة أكثر من ميدان التحرير، بحيث تحولت الجامعة من صرح علمي إلى منطقة عسكرية مليئة بالمدرعات والأطقم العسكرية وسيارات مكافحة الشغب والكثير من المسلحين ما بين مدنيين وعسكريين، وبدأ تجمع الطالبات أمام كلية التجارة ولم يكن تجمعا رسميا، بمعنى أنه لم يكن معهن لافتات أو شيء يثبت أنهن سيشاركن في الفعالية، لكن نساء الحوثي اللاتي يطلق عليهن “الزينبيات” انتشرن داخل الجامعة وتنطرن في شكل طالبات وبدأن بالسؤال: هل أنتن الطالبات المشاركات في ثورة الجياع؟، وبعد تحديد نقطة التجمع تقدم “باصان” بدون أرقام وانفتحت الأبواب، وبدأت “الزينبيات” القفر من داخلهما وكل واحدة تحمل عصا كهربائية وهراوة خشبية، وبدأن الهجوم على الطالبات بالضرب والكهرباء والشتم بأبشع الألفاظ.وأضافت “بعد ضرب مبرح وصعق بالكهرباء وسحل سحبت الزينبيات الطالبات إلى الباصين، وسط عجز الطالبات وانهيار مقاومتهن، وتحايلت أنا على عناصر الميليشيات النسائية لعدم دخول الباص بالزعم أنني ليست لي علاقة بثورة الجياع وأني طالبة في إحدى كليات الجامعة، وذكرت لهن اسم إحدى كبار الزينبيات في صنعاء مدعية صلة قرابتي بها، ونجحت الحيلة في إفلاتي من قبضتهن”.

وقالت الشرقي، إنها كانت لا تستطيع المشي بسبب إصابة قوية في ساقها بعد ضربها بالكهرباء في كل جسمها، مبينة انه اتصلت بأحد أقاربها ليأتيها بسيارة، وفي هذه الأثناء تعرضت لملاحقة “الزينبيات”، وما أن استقلت المركبة حتى أغمى عليها وتم نقلها لمستشفى قريب من الجامعة، مليئة بمسلحين حوثيين توافدوا للتحقيق مع المشتبه بمشاركتهن في الوقفة، واخبرتهم الطبيبة بأن الشرقي مصابة بضربة شديدة في ساقها مع صعقات كهرباء قوية، بعدها حققوا مع ابن خالتها عن سبب إصابتها، فأفادهم بأنها تعرضت للإلتماس في البيت وسقطت على إثره.

ملاحقة في المنزل
ونوهت الشرقي أنها بعد نقلها من المستشفى إلى البيت، كتبت منشورا على “فيسبوك” تشرح فيه ما حدث، وتناشد بإطلاق سراح صديقاتها، وعند الساعة 6 مساءً اتصل بأسرتها أحد الجيران ليخبرهم بأن طقم حوثي وسيارة مليئة بالزينبيات يسألون عن العمارة التي يقيمون بها، فانتقلت هي وأختها ووالدتها إلى منزل الجيران، وإذ بالزينبيات يحاولن الدخول إلى بيتهن ودق الأبواب بقوة ومحاولة كسرها، ومن ثم خرجن من العمارة وبقيت سيارة بداخلها 3 مسلحين إلى الساعة 12 ليلًا، وبعد ذهابهم نقلها أهلها إلى منزل أحد اقاربها في حي بعيد بصنعاء، وبدأت هي ووالدتها في تلقي رسائل واتصالات التهديد والوعيد بالسجن أو القتل، ومن ثم قررت الخروج من صنعاء.


إجرام الزينبيات
ترى الشرقي أن الزينبيات ومعظمهن من أخوات وبنات وزوجات الانقلابيين هن “حمالات الحطب” اللواتي يدعمن مسيرة أبي لهب العصر الحديث، وإجرامهم لا يقل عن عناصر الميليشيات الحوثية من الرجال، حيث يتم الاعتماد عليهن في تنفيذ المهام ذات الطابع النسائي من مداهمات واعتقالات وتجسس والاعتداء على الناشطات المعارضات لميليشيات الحوثي، ويتم الإشراف عليهن من زوجات وشقيقات القيادات الحوثية في الصف الأول.

وأشارت إلى أن زميلاتها المعتقلات بسبب الوقفة الاحتجاجية التي لم تتم أصلًا تعرضن للضرب والقمع والتهديد والترهيب، وجرى احتجازهن بسجن الجديري في الدائري وسجن آخر قرب شارع الزراعة، وتم الإفراج عنهن بعد غضب الأهالي واعتصامهم أمام السجون، وكذلك تضامن الكثير من الناشطين والسياسيين والمشايخ، وذلك بعد تصويرهن والتوقيع والبصم على أوراق لم يطلعن على فحواها، وعلى ضمانات بعدم الخروج مرة أخرى في أي فعالية، مشيرة إلى أن ما حدث أصاب أهالي الطالبات المعتقلات بالرعب والهلع، والكثير من الطالبات تعرضن للضرب من قبل الأهالي بعد الافراج عنهن.

رحلة الهروب
وأكدت هاجر الشرقي أن خروجها من محافظتها كان بعد تعرضها للتهديد بالإخفاء القسري والقتل، حيث تواصلت مع إحدى المشاركات في المظاهرة ضد الحوثيين، وتم الإتفاق على المغادرة معا لأنها إحدى الطالبات المعتقلات المفرج عنهن، لكن لا تزال تحت التهديد، وانتقلتا سويا إلى مأرب مع إحدى أسر الجوف، وتم إعطاؤهما هويات شخصية لنساء من الأسرة، مبينة أنها كانت رحلة طويلة ومُرهقة استغرقت 15 ساعة، وتم توقيفهم في أكثر من نقطة تابعة للحوثي لاستجواب السائق ومن معه، وفي إحدى النقاط طُلب من السائق أن ينزلهم للتفتيش ومطابقة الهويات، لكنه رد عليهم بأنهم بدو وليس عندهم “حريم” تتعرض للتفتيش. وتكمل هاجر الشرقي بأنها و(أزال علي) زميلتها في التعذيب مكثتا في مأرب قرابة شهرين، ثم انتقلتا إلى عدن لمدة أسبوع، وبعدها إلى السودان، وبعد شهر سافرتا إلى ماليزيا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *