بعد الحرب العالمية الثانية، اعاد العالم ترتيب نفسه، واصبح هناك قوتان عظميتان، امريكا والاتحاد السوفيتي وتم اعادة رسم حدود دول كثيرة، وانشئت هيئة الامم المتحدة وهيئات عالمية اخري متعددة التخصصات والمهام لتنظيم قوانين العالم وفض المنازعات، وبدا التنافس بين امريكا والاتحاد السوفيتي وكان من نتاج ذلك سباق التسلح النووي، والحرب الباردة الخ.
وكان ولا زال هم كل دولة هو الدفاع عن حدودها ومصالحها وحماية امنها القومي من خلال وزارات الدفاع .
وجاء العدو الخفي،الذي لم يعمل له حساب،وتعدى الحدود، واحتل دول العالم كافة، ولم يخطر ببال احد ان هذا العدو خبيث ليس له اطماع محددة الا غزو العالم وتمزيق بنيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومؤسساته الحيوية التي عشعشت فيها البيروقراطية والنظم الراسمالية والطغيان المقيت .
واصبحت انظمة الدفاع العالمية عاجزة عن مواجهة هذا العدو الخفي الذي انتهز الثغرات الكبيرة في نظم حضارتنا الحديثة وبالذات التطور التكنولوجي الذي دخل في مفاصل الحياة الصناعية جميعها الا النظم الاجتماعية والصحية والبايلوجية والبيئية المكملة لتطور هذه الحضارة .
وتخبط العالم وارتبك وانكمش وانغلق على نفسه يبحث عن حلول واساليب ووسائل لمحاربة هذا المرض .وظهرت هشاشة نظمه الصحية وفشله وعجزه عن القضاء عليه.
واكتشف العالم ان التحدي الذي يواجهه ليس ارهاب البشر بل تحديات البيئة غير المستقرة والتي اسأنا اليها واحوال المناخ المتقلبة وعدم الاستعداد لادارة الكوارث الطبيعية والبايلوجية، الي جانب النظم الصحية الفقيرة والبالية ونقص الموارد المالية والاهم من كل ذلك هو عدم استشراف المستقبل لما هو قادم ودراسة افكار ورؤية كتاب الخيال العلمي والسيناريوهات الفيلمية ومخرجات مراكز التفكير حول العالم.
بعد احداث 9/11 تغير العالم وتغيرت استراتيجياته واصبح هناك نظام عالمي جديد . وهكذا ستحفر جائحة الكورونا اثارها البالغة في قلوب ووعي البشرية جمعاء فستكون هناك حاجة الى نظم واجراءات لانتقال البشر والحجر حول العالم، وانظمة للكشف المستمر عن اعداء خفيين مثل الفيروسات والبيكتيريا والسبرانية ومراقبة توظيف الذكاء الاصطناعي وضوابط الابحاث التي تختص بطفرات تطور البشر وادمغتهم بل واعادة برمجتها وتوجيهها ، وغيرها من الابحاث والتجارب العلمية والتي بالضرورة ستكون نتائجها غير محسوسة وغير مرئية.
ويبقي السؤال الاهم وهو، هل سيعود الناس الي طبيعتهم وهم يمارسون حياتهم دون خوف او وجل بعد ان تجذر الرعب الكوروني في انفسهم وعقولهم، وهل من جرعة دوائية تتغلب علي هذا الخوف، الذي في اعتقادي انه سيلازم البشرية لعدة عقود قادمة .
واخيرا، اشدد علي ضرورة اخذ زمام المبادرة فورا في ايجاد مراكز للتفكير « THINK TANKS « في عالمنا العربي للتعامل مع آثار ما بعد الجائحة ورسم معايير واستراتيجيات لنظام عالمي عربي جديد، قبل ان يداهمنا عدو خفي او كارثة طبيعية اخري لا قدر الله.