جدة ـ ياسر بن يوسف
اكتسحت ظاهرة التسول الإلكتروني وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت تزداد وتنتشر مؤخراً، من دون معرفة الشخص أو الجهة التي تحاول الحصول على المال، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يستطيع المتسول أن يصل إلى العديد من الأشخاص بشكل متخفٍّ؛ حيث لم تعد العبارات النمطية التي يطلقها المتسولون ” لله يا محسنين ” لاستدرار العطف أمام الأسواق والمولات التجارية وبجوار المساجد، وسيلة وحيدة للتسول وإنما اتخذ التسول سيناريو مغايرا مستعينا بالتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، ليتحول التسول إلى واجهة في “تويتر ” وـ “فيسبوك “، مرورا بـ واتساب، وذلك في رسائل مجهولة المصدر، وإن حملت أرقاما هاتفية، سواء محلية أو من الخارج.
والغريب أن الرسائل التي تصر على استجداء الآخرين تعول كثيرا على الثقة التي يفترض أن تنالها رسائلهم، والمتضمنة مساعدات مالية وتبرعات لمرضى ومحتاجين، والمذيلة بتقارير طبية لا تعرف صحة مصدرها أو مضامينها، إذ يبادر بعض المتسولين بوضع حساباتهم البنكية لتحويل التبرعات عليها، في إشارة واضحة إلى أن تجاوب المتبرعين «قاب قوسين أو أدنى».
وتعدى التسول الإلكتروني مسألة المرض، إلى تبرعات الديات، التي تجد صداها في تغريدات على حسابات المشاهير بوجه خاص، مستغلين الكم الكبير للمتابعين.
وهنا يبدر التساؤل: ألا يعد هذا انتهاكا لنظام الجرائم المعلوماتية، وتعديا على حقوق أصحاب الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي؟ فإذا كان من حق المتسولين السؤال في الشوارع دون اقتحام خصوصية أحد، أفلا يعد اقتحامهم حسابات شخصيات بعينها؛ «تويتر وفيسبوك وواتس آب»، تعديا على الخصوصيات؟الأسباب ومراحل الظاهرة
وأوضحت المحامية نجود عبدالله قاسم المحكمة، والمدربة المعتمدة بقولها: تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة التسول الالكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي لطلب المساعدات المالية؛ بحجة العوز والحاجة الماسة وللأسف يتم جمع أموال طائلة من أعداد كبيرة من الناس بهذه الطريقة.
ورغم التحذيرات المستمرة من عدم التجاوب مع مدعي الحاجة عبر وسائل الاتصال الالكتروني والتوجيه للتعامل مع الجمعيات الأهلية والحكومية الخيرية المعتمدة من قبل الدولة إلا أنه وللأسف نجد الكثير ممن يتجاوب ويتفاعل معهم ويدفع المبالغ الطائلة رغم حاجة البعض الفعلية لمثل هذه الأموال؛ سواء كانت صدقات أو زكاة أو وقفاً أو معاونة.
أسباب التسول
وحددت المحامية قاسم ، أسباب التسول بشكل عام تقليدي أو الكتروني، في عدة نقاط، أبرزها ضعف الوازع الديني، البعد عن المسألة الأمنية والقانونية وعدم تجريمه، وسيلة مريحة للكسب السريع، عدم التعرف على شخصية أو هوية من يقوم بالتسول الإلكتروني، غياب الرقابة على اختلافها في الفضاء الإلكتروني، وربما أيضا كنوع من جريمة النصب والاحتيال والاستيلاء على أموال الناس.
واستذكرت مراحل التسول التي تطورت منذ عام 2002، بظهوره إلكترونيا، من خلال موقع إلكتروني أطلقته أمريكية تدعى كارين بوسناك، كتبت فيه مناشدتها لـ20.000 شخص بالتبرع لها بدولار واحد، لإجراء عملية جراحية لوالدتها المريضة، لتنتشر الظاهرة بذات الكيفية وتتنوع بمرور الوقت.
وتعتقد أن التمدد بسبب لمسات العطف تجاه الآخرين، وما يحثنا عليه ديننا من مساعدة وعون، لذا البعض الآخر يستغل هذا الأمر ليتمدد في المطالب ونوافذه.
وحذرت قاسم من خطورة التسول الممنهج الذي يتم عبر منظمات ربحية تدعي إنشاء مشاريع خيرية وهمية، وتنشئ مواقع مجانية لهذا الغرض، ليقع المرء في دائرة أخطر.
تقنيات حديثة
ويرى أستاذ علم الاجتماع محمود كسناوي أن ظاهرة التسول الإلكتروني موجودة منذ بدء انتشار التقنيات في العالم؛ إذ إن هناك أفرادا وعصابات مخصصة لاصطياد الأبرياء والإيقاع بهم ، والواقع أن هذه الفئة اعتادت على ممارسة هذا النشاط لجمع المال .
وأضاف: إن الوعي الاجتماعي لدى الفرد كفيل بعدم وقوع أي فرد ضحية لهذا النوع من التسول، ويقع دور كبير على الوالدين في توجيه الأبناء لأن ضعف خبرتهم في الحياة قد تجعلهم يستجيبون في تحويل الأموال، فالواجب التأكيد عليهم بعدم اعطائهم أي أرقام للبطاقات البنكية وكروت الائتمان والتأكيد على عدم فتح أي رسائل مجهولة المصدر.
وأضاف كسناوي: إنه يمكن معاقبة المتسول المحتال في الحق العام وفق نظام الجرائم المعلوماتية، التي تنص على معاقبة كل من قام بـالاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو على سند، أو توقيع هذا السند، عن طريق الاحتيال، أو اتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة.
وجعلت العقوبة في حدها الأقصى السجن بما لا يزيد على 3 سنوات، وغرامة لا تزيد على مليوني ريال، ويعاقب الفاعل في الحق الخاص بما تراه المحكمة الجزائية مناسبا مع إلزامه بإعادة المبالغ المدفوعة.
ظاهرة ملحوظة
أما الباحث والأخصائي الاجتماعي طلال محمد الناشري فيتفق مع الرأي السابق ويقول: مع انتشار التقنيات الذكية ازدادت الممارسات المشبوهة ومنها التسول الإلكتروني، وأعتقد أن الكل منا قد وردته رسالة على بريده مجهولة المصدر ويطالب فيها صاحبها مساعدته ماديا، لافتا إلى أن التسول الإلكتروني، أصبح للأسف ظاهرة ملحوظة يمارسها بعض الأشخاص الذين يدعون العوز وبمساندة الكثير من المتعاطفين والراغبين في نشر تلك الرسالة؛ بغية الأجر والإسهام في مساعدة المحتاج، ونجد أن البعض ممن يروّجون لتلك الحالات هم من المهووسين بداء الشهرة والراغبين في زيادة رصيدهم من المتابعين والمتفاعلين لما ينشر في حسابهم، ولو كلّف ذلك نشر بعض الخصوصيات لتلك الأسر الضعيفة.
وقال: «لا نستطيع أن نحكم على أن الكل فيها كاذب، لكن حتما ليس الكل فيها صادق، لكنها حقيقة تجعلنا أمام طريقة من طرق التسول الجديدة التي ينبغي في الحقيقة الحذر منها، ولا شك أن الإنسان -بطبعه- جبل على فطرة العاطفة وغير ذلك من الأشياء، لكن ينبغي على الإنسان أولا أن يتوثق ويتأكد، والله سبحانه وتعالى، حدد لنا مستحقي الزكاة؛ وهم الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل، لذا فالواجب على الإنسان التحرى في مسألة من يعطيه صدقته حتى يكون نفعها أنفع وأثرها أكبر، بإذن الله».
وأضاف: إن الدولة وضعت قنوات لعلاج أصحاب الحاجات عن طريق جهات رسمية، أما استخدام وسائل التواصل لنشر مثل هذه الحالات فيجب على الجهات المختصة التأكد من هذه المواضيع، فهناك جمعيات ومؤسسات وقنوات إيصال الطلب لأعلى سلطة، والحقيقة أن الإجراءات عديدة وسهلة التحقيق، وأخذ المعلومة من المصدر، والمصادر أيضاً متعددة، ولله الحمد.
زيادة التثقيف
من جانبها، تقول استشارية الطب النفسي الدكتورة هويدا حسن: للأسف هناك بالفعل ما يسمى بالتسول الإلكتروني؛ إذ قد تصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي للفرد بعض الرسائل من أشخاص مجهولين يزعمون أنهم يعانون بعض الظروف من خلال إرفاق بعض المستندات الوهمية أو تقارير طبية غير صحيحة، وكل هذه المرفقات تكون أساسًا قد تم معالجتها ببرامج الكمبيوتر مثل الفوتوشوب ، وهم يتقنون في إرسالها لأكبر عدد ممكن، لعل وعسى، أن يقع أي فرد ضحية ويقوم بتحويل المبلغ إلكترونيا بعد ان تغلبت عليه مشاعر الإنسانية .
وحذرت الدكتورة هويدا من التجاوب لهذه الفئات التي تتسول إلكترونيًا وعدم الرد على الرسائل مجهولة المصدر؛ تفاديًا للوقوع ضحية لعصابات أو أفراد يمارسون الأنشطة المشبوهة أو تتحجج بالأمراض أو بناء مساجد أو دعم جمعيات خيرية أو مرضى السرطان ، والأفضل ان كان للفرد أياد بيضاء في فعل الخير ان يتجه للمكان الصحيح بنفسه ويقف على نشاطهم ويلتمس احتياجاتهم بدلا من أولئك الذين يتغلغلون خفيًا ويمارسون أنشطة لا يعرف حقيقتها.
ابتزاز عاطفي
وعبرت بلقيس الفضلي أخصائية العلاج النفسي السلوكي أنه لا يخفى على أغلبية شريحة المجتمع من المستخدمين للأجهزة الالكترونية التعرض لمثل هذا الابتزاز العاطفي المغلف بفعل الخير , والذي في الغالب لا يمت له بأي صلة، ولا يعلم الشخص في أي جهة غير شرعية سيذهب ماله، كما أنه يدخل من ضمن الجرائم الإلكترونية التي يحاسب عليه المرسل وحتى من سيقوم بتحويل الأموال له والجهل لا يعفيه من العقوبة في ذلك؛ لما له من أضرار مجتمعية والتي توسم المجتمع بوصمة الضعف والمهانة.
الأضرار الاقتصادية والأموال غير الشرعية
التسول الإلكتروني مثله مثل التسول الفعلي من حيث الأضرار المجتمعية والسلوكية الناجمة عنه في أي مجتمع، والتي في الغالب يكون خلفها منظمات إجرامية متنوعة في النشاطات الإجرامية وغير الشرعية .
وكل ما علينا فعله زيادة التثقيف المرئي والسمعي والكتابي ونشر الوعي والبحث الإعلامي خلف الكواليس عن القصص الحقيقية لمن قام بمثل هذا الفعل وماهي عاقبته وأبعاده .
قصص افتراضية وحيل خداعه واغراءات مبتذلة
لم يقف ممتهنو التسول مكتوفي الأيدي مع مظاهر تطور الحياة فعلموا أن حيل الاستجداء التقليدية التي تتجلى مظاهرها في كسب عطف الناس من خلال ادعاء الفقر والمرض لم تعد مقنعة فحزم بعضهم أمتعتهم من على الأرصفة وهاجروا إلى الفضاء الإلكتروني، الذي وجدوا فيه ضالتهم سواء من حيث العائد الذي لم يكن يحلمون به خاصة مع زيادة المساحة التي يتسولون فيها فلم تعد مقصورة على شارع أو مسجد بل يجدون تجاوبا من البلدان البعيدة، بعد نشر قصصهم الوهمية التي يتفننون في نسجها بـ140 حرفا، فضلا عن أنهم يظلون مجهولي الهوية تحت أسماء مستعارة.
فمع التسول الإلكتروني انتقلت عبارات «أحتاج مساعدة» «انقذوا ابني» «فرجوا همي» من كونها عبارات استعطاف تستخدم في الشوارع إلى أسماء مُعرّفات وحسابات يديرها مجهولون على مواقع التواصل الاجتماعي، وأضحى تأثيرهم على المحسنين أقوى وأسرع، لا سيما أنهم يستخدمون لغة العصر الحالي للتخاطب والوصول إلى جميع أصحاب القلوب الرحيمة في شتى البقاع، خاصة في شهر رمضان المبارك الذي تكثر فيه الصدقات والهبات من قاصدي الأجر.
وقد وجد (المتسولون الإلكترونيون) من يدعم قضاياهم واستجداءهم من المشاهير وأصحاب الحسابات النشطة الذين يدعمونهم بعمل (الرتويت) وإعادة نشر قصصهم، حيث يحيك المتسول قصّة بؤس في الظلام ويعرضها على ذلك المشهور مع إدراج رقم حسابه في البنك ليتعاطف بدوره معه ويعيد إرسالها، وبذلك يكسب المتسول المصداقية لدى الناس وينجرف الكثير وراء عواطفهم دون تثبت من الحقائق وتتم بعد ذلك التحويلات المالية على حساباتهم بدون وجه استحقاق.