قال لي صديقي اختصاصي ادارة الموارد البشرية، انه اجرى مقابلة لاثنين من مندوبي احدى الشركات لاختيار احدهما لتصميم المواقع الالكترونية، وبدأ في طرح الاسئلة التقليدية عليهما، وقال عندما كنت اطرح اي سؤال عليهما وجدتهما ينظرون الى بعضهم البعض بدهشة واستغراب من تصرفي هذا، وعندما سالتهما عن سبب هذه النظرات، قالا لي بشجاعة ووضوح، نحن يا استاذ سوف لن نعمل معك كموظفين دائمين بمنشأتك، بل نحن خبراء واستشاريون نعمل عن بعد لحسابنا الخاص، وهنا اسقط في يدي واستدركت نفسي، واخذت ابحث في الموضوع.
وقال ان تركيبة القوى العاملة في الشركات والمنشآت تغيرت تماما، لقد اصبحت مختلطة فهناك موظفون ثابتون على قوائم التوظيف يعملون داخل المنشأة براتب شهري ومميزات تحفيزية مثل التأمين الطبي والتقاعدي ولهم حيز في مباني الشركة ومكاتب مجهزة بالكمبيوترات والماسحات وشبكات الانترنت الخ.
وآخرون يعملون عن بعد، من منازلهم او غرف نومهم وربما من المقاهي والمطارات، وذلك عبر الكمبيوترات وشبكة الانترنت . بعيدين بآلاف الاميال عن مواقع الشركات والمنشآت.
هذا الخليط من القوى العاملة يتطلب اعادة صياغة اسلوب وتقنيات المقابلات الشخصية،واسس الاختيار وطريقة احتساب الاجور والمكافآت وطرق المراجعة والمحاسبة، وتحديد الواجبات والمسؤليات والصلاحيات والتفاعل والتواصل بين الفريقين، بل يتعدى الامر الى ماهو اهم بكثير، واقصد هنا تدريب المدراء علي كيفية التعامل والتفرقة بين اسلوبي التعامل مع تلك الفئتين كل حسب دوره داخل المنظمة او المنشأة.
ويرى خبراء الادارة، ان التوجه العصري في ادارة اعمال الشركات يجب الا يقتصر على نوع واحد من القوى العاملة، التي تعمل من داخل المنشأة او الاخرى التي تعمل عن بعد، بل يجب ان يترك الامر لنوع العمل ومدى توافر الخبرات من داخل المنشأة، او الاستعانة باستشاريين يعملون عن بعد لحسابهم الخاص لفترة محدودة حتي لا تتحمل الشركة اعباء مالية طويلة المدي.
والفضل هنا يعود الى الادارة الرقمية، التي تتيح لنا العمل والتعامل مع الاختصاصيين عن بعد، وعلى المنشأة ان تواصل الاستثمار والصرف علي تطوير القوي العاملة الدائمة داخل المنشأة، حيث هؤلاء هم من سيواصلون البقاء والاستمرار مع المنشأة، وهذا يتطلب من المنشآت التطوير في وسائط التواصل الرقمية بكل انواعها حتي تسد الفجوة – الزمكانية – بين فريقي العمل.
هذا ويجب علي المنشآت التي تتعامل مع الخبراء عن بعد، ان تصمم برامج تحفيزية لهم،مثل مصاريف المواصلات الي مواقع المنشأة عند اللزوم، وتكاليف الانترنت والمكالمات الهاتفية، وبعض الوجبات ودعوتهم لحضور مناسبات واحتفالات المنشأة الخ.
هذا الامر من وجهة نظري هو ليس صياغة انظمة ولوائح جديدة، بل يعتبر تغييرا وتحولا في طريقة التفكير الادارية.