هناك من يعتقد بأن إساءة استخدام السلطة التي ينظر إليها بأنها من أعمال الفساد، تتعلق بكبار المسؤولين في الوزارات والمصالح وما يماثلها. وينظرون إلى أن الفساد يتعلق بالنواحي المالية فقط، ولم يعلموا أن كل صاحب صلاحية في أي جهاز يوظفها للمصالح الخاصة يعتبر من جوانب الفساد، مهما كانت وظيفته، لأن الأصل في الفساد هو البعد عن الأمانة وعدم احترام قوانين العمل وأيضا عدم التقيد بالواجبات الوظيفية وضياع حقوق الآخرين بما يتبعها من آثار سلبية على المصلحة العامة.
ولعل الفساد التنظيمي كأحد أنواع الفساد يمثل مجموعة المخالفات التي تصدر عن الموظف أثناء أدائه لعمله، كعدم الالتزام بمواعيد الدوام الرسمي واستكمال ساعات العمل المطلوبة ويدخل في ذلك نقص الأمانة في تطبيق واجبات العمل وعدم التعاون مع الزملاء الآخرين وتغليب المصلحة الخاصة وتغييب المصلحة العامة وتحقيق الواسطة. أما الفساد المالي فيأخذ جانبين أحدهما مقصود بالاحتيال والتواطؤ والترتيب مع آخرين بطرق خفية للاستحواذ على بعض المال العام سواء من خلال التأمينات والمشتريات أو بالاتفاق مع أطراف ثانية بعدم تطبيق المواصفات والمقاييس للمشروعات أو بالحصول على الرشى ونحوها. وكذلك العبث بالحقوق المالية للأفراد لأي سبب غير مبرر أو بتمرير مخالفة لمسؤول أعلى والتوقيع عليها.
أما الجانب غير المقصود فيتمثل في التقصير في العمل الذي يتسبب في تضييع مبالغ مالية، كما أن الإهمال يندرج تحت أبواب الفساد يحاسب عليه من يقع فيه.
وما نود الإشارة إليه الإدارة المزاجية لتقديم الحوافز وترفيع الموظفين لوظائف أعلى، حيث تؤول بلا معايير إلى من يرغب ذلك المسؤول لا إلى من يستحقها فعلاً. فلا يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب! بل تذهب الترقيات للأقارب والأصدقاء والمعارف والوصوليين وما إلى ذلك، مما يؤدي إلى انحدار مستوى الأداء وانحسار مؤشر العطاء، وظهور الخلل لشعور المستحقين بالغبن الذي يؤثر في إنتاجيتهم، وهنا يبدأ التراجع إلى الوراء.
وكم من إدارات كانت ناجحة في أدائها متوهجة في عطائها وما أن يصل إليها واحد من هذا الصنف حتى يهوي بمستواها سريعاً ويقودها إلى الفشل الذريع الذي يحتاج معه من يأتي بعده إلى سنوات أكثر لتعديل الأمر وتصحيح الوضع. ولذا يفترض ألا يسلم من المحاسبة ولو بعد حين! لأن بعضهم يتصوّر بأن خروجه من الوظيفة بالتقاعد أو الاستقالة يحميه من المساءلة فيعمل قبل ذلك ما يريد.