اجتماعية مقالات الكتاب

ذبابة وبعوضة

البارحة حلمت انني اسير في احد شوارع نيويورك المكتظة عادة بالمارة والمحلات، ولكن كان حلمي” ابيض واسود ” أي لم أر الوانا او فترينات مضاءة اومعروضات مبهرة كالعادة، تجعلك تقف وتتفحصها وتجذبك للدخول الي المحلات سواءً كانت محلات ملابس او الكترونيات او بقالات، الخ.

ومن قبيل الفضول، دفعت احد الابواب ودخلت محلا كان يبيع الملابس والمجوهرات الفاخرة، وجدته خاويا والاتربة تغطي ارضية المحل،وشباك العنكبوت تعشعش في اسقفه وعلي الارفف واخذت تلف راسي ووجهي وصحوت مفزوعا ووجدت ان ذبابة تحوم فوق راسي.

وعدت للنوم بعد معاناة، وداهمني الحلم مرة اخري، ولكن هذه المرة كان ملونا مبهرا، كان ذلك في احد شوارع جدة الانيقة والمكتظة بالمارة والمحلات وفترينات جذابة واضاءات والوان، وشاهدت محلات ومراكز تسوق جديدة تحت الانشاء.

ودخلت احد المولات وابهجني ما رايت، وهذه المرة كانت شبكة الانترنت تغطي المول جميعه وفجأة اشاهد محلا امريكيا شهيرا لبيع الاحذية الاقتصادية، وصحوت مفزوعا علي ازيز ” بعوضة ” تحوم فوق راسي وتتحدث الي، كانت بعوضة الكترونية تقول لي افيقوا ياقوم.. ماذا دهاكم؟ ! لقد اقفلت هذه الشركة 2100 محل لها في امريكا لوحدها، وقالت لي ان هناك 9300 من محلات التجزئة اقفلت العام الماضي. وقالت انتبهوا، تجارة التجزئة الى زوال في امريكا والعديد من دول العالم، حيث التجارة الالكترونية تنمو وتتطور بمعدل 17% تقريبا خلال 2019 بينما تجارة التجزئة حققت نموا قدره 4.5%، وبلغت مبيعات التجارة الالكترونية العالمية حوالي 3 تريليونات دولار تقريبا.

هذه مجرد مؤشرات اسوقها اليكم، وانتم تبنون المزيد من الاسواق والمولات دون استشراف للمستقبل، وخصوصا ان شبابنا – وهم القوة الشرائية الفاعلة – يتجهون الي التجارة الالكترونية لتلبية احتياجاتهم وهم يشكلون ما نسبته 60% من السكان تقريبا.
واتساءل، ماذا سيكون مصير المحلات والمولات بعد عشر سنوات من الان؟!

يقول دوج ستيفينز احد خبراء التجزئة، ستستمر المحلات والمولات في عرض وبيع بضائع محددة مثل السيارات والمجوهرات والعقار، والمواد سريعة العطب والاثاث المنزلي، والتي يتعذر انهاء اجراءات بيعها عن طريق التجارة الالكترونية، الا ان امازون وعلي بابا وغيرهم يعملون الان على ايجاد النظم الوسائل لاتمام هذه الصفقات الكترونيا.

هذا وستتحول معظم المحلات والاسواق المركزية والمولات الي ما يشبه مراكز للترفيه والصحة والرياضة واماكن للقاءات والتجمعات، وبعضها سيعمل علي تسليم الطلبات والبضائع والماكولات، واخري ستتحول الي منتجعات لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

واخيرا، ارى اننا بنينا ولا زلنا نبني محلات واسواقا ومولات سوف لن نحتاجها بعد عشر سنوات من الان، لان التكنولوجيا غيرت وحولت السلوك الاستهلاكي الى ان يصبح الكترونيا بامتياز الى غير رجعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *