بينما كنت أصارع ضغط العمل لاحظت على إحدى الزميلات علامات التعب والإرهاق، وازداد هذا الأمر وضوحًا جليًا عليها في كل يوم، كنت أريد سؤالها عن الأمر الذي أرهقها إلى هذا الحد، فترددت كثيرًا خاصة إني لم أكن على علاقة بها، كوني حديثة في هذا العمل، جسمها النحيل جدًا، وصوتها الخافت، السواد تحت عينيها الجاحظتين، هذا كله بدا واضحًا على كل من يراها، وكأنها كانت تحمل هم كل من يمشي على هذه الأرض، يومًا بعد يوم وأنا أحاول التودد لها والتقرب منها بحجة إني لم أفهم بعض متطلبات العمل، فكنت أريد المساعدة والعون لها بأية طريقة كانت، وللأسف باءت كل محاولتي بالفشل، ولَم تجد نفعًا.
حينها أصبت بإحباط شديد، ودعوت من قلبي أن يذهب الله هم هذه الفتاة وأن تغشاها رحمة منه.
نسيت هذا الأمر، وبعد مُضي قرابة الأسبوع، لاحظت علامات جديدة تظهر على زميلة العمل، كانت علامات مبشرة بالخير، وجدتها تبتسم قليلًا، تأكل معنا، وبعد أيام أصبحت تتحدث معنا عن حياتها وتشاركنا الأفكار والآراء، بل كانت تتحدث بكل حماس عن طموحها وما الذي تريد الوصول إليه في المستقبل، سعدت كثيرًا بهذا التغير العجيب، التغير الذي جعل من جسد ميت جسدًا يشع بالحياة والأمل.
لم أرد سؤالها عن تغيرها المفاجئ وتمنيت لها السعادة، وبعد يومين، جاءت إليّ وحدثتني وقالت (تعليقاتك كل صباح هي سبب هذا التغير !) لم أفهم حقيقة ما قالت، وظهرت علي علامات الاستفهام، وارتجلت في كلامها وقالت أنت دومًا تشيدين بملبسي أو ما أضعه من زينة وأنه يعجبك، هذه الكلمات جعلتني أثق بنفسي أكثر، وأصبحت أذهب إلى العمل بكل حماس، وأنا دومًا بحاجة إلى المزيد من تعليقاتك.
تفاجأت كثيرًا، لم أكن أعلم بأن هذا التغير كان أحد أسبابه تعليقاتي البسيطة، تذكرت ما أقول لها ” أعجبني لبسك هذا، اليوم طالع شكلك يجنن، المناكير حلو من وين أخذتيه ” كنت أريد بكل محاولة أن أساعدها ولَم أنجح، ولكنني نجحت بطريقة لم أكن أتوقعها ولَم تكن في الحسبان.
أشيدوا دائمًا بما يعجبكم، لا تنظروا لشيء أعجبكم ولَم تحدثوا صاحبه عن جماله، نحن دائمًا نتذمر وننتقد إذا لم يعجبنا شيء رأيناه، فلماذا لا نتحدث عن الجمال، الجمال الذي يشع فينا الأمل والحياة ؟ هذه الكلمات التي قد تظن ألا قيمة لها قد تكون سببا في إعادة روح صديقك أو قريبك من جديد.