كنت قد كتبت منذ عدة أعوام مقالا ودعت فيه عاما منصرما وآخر قادما محملا بأحلام وآمال كنت أظن أنها ستحقق، مرت الأيام ومر عامٌ تلو الاخر، لكن كل شيء لم يتحقق!
فى البداية كنت أعتقد بأن المشكلة تكمن فى الأعوام والأيام والتواريخ لا الظروف والأشخاص، لكننى مع مرور الوقت أصبحت أكثر نضجاً وتعلمت أن كل ما يحدث لا علاقة له بالزمن
فالذكريات والأوجاع والأحداث كلها كانت نتاج أفعال الآخرين تجاهى وأيضاً أفعالى تجاه نفسي، أذكر جيداً ذلك العام الذي يلوح مودعاً، أنني تألمت وبكيت فيه بشدة.
لقد تألمت لدرجة أنني وصلت إلى حافة الموت مرتين، في الأولى نجوت سريعاً بلطف خفي، أما في الثانية وصلت لغرفة العمليات وأنا معلقة بين الحياة والموت ولا يوجد معي أحد سوى الله، كانت الأيام مخيفة وثقيلة وبطيئة وأنا بها وحيدة أنظر فقط لجراحي أمام المرآة دون أن أبكي، كنت أقف صامتة تماماً، وحتى إذا خانتني المشاعر وبكيت، كنت أمسح دموعي سريعاً لأخرج أمام الجميع أكثر قوة وتماسكاً.
هذا العام تحديداً، يشبه في أوجاعه عام 2017 الذي بدأ برحيل والدي، ومع بداية كل عام جديد تعود نفس الذكريات لأسأل نفسي نفس السؤال، كيف أتجاوز تلك الأعوام وأعيش تفاصيل أعوام أخرى أكثر سلاما؟! كيف ذلك وذاكرتي وذكرياتي معلقة بأشخاص وأماكن لم تزل تسكن قلبي!
لقد ودعت في هذا العام أشخاصا كثيرين للغاية، ورحل أشخاص لم أتوقع أنهم بذلك السوء، ولم يكن في مخيلتي أن يغادروا من حولي، أو تنكشف حقيقتهم بهذه السرعة، لكنني بالرغم من كل أوجاع الرحيل والخذلان، اكتسبت أشخاصا رائعين لم يكن فى الحسبان أن أقابلهم
هذا العام، عبرت كثيراً بأفق خيالي لأكون في أماكن أحبها، سافرت كثيراً بأحلامي لأكون بجوار أشخاص أحبهم، لكنني بالرغم من كل ذلك عدت وحيدة.
إنني أملك القدرة بأن أصف لكم الوحدة بأدق تفاصيلها، فأنا من الأشخاص الوحيدين للغاية، بالرغم من ازدحام الأشخاص حولي.لأنني أعلم جيداً أنه من الصعب علينا أن نجد بسهولة أحدا يتفهم وحدتنا، أو يستمع لصوت قلبنا، أو يفهم احتفاظ كل واحد منا بذكريات من الصعب نسيانها.
لا أحد سيشعر بحقيقة ما نشعر به عندما نتحدث عن ذكريات كانت تضحكنا بالأمس والآن أصبحت تبكينا، لم تتغير الأعوام سوى في التواريخ، لكننا نحن من تغير، نودع عاما ونستقبل عاما، محملين بنفس أوجاع الأمس والأحلام المعلقة بين القضاء والقدر، ونمضي دون أن نعرف ما ينتظرنا من أفراح وأحزان.
نحمل ذكريات قديمة تضحكنا وتبكينا، ونضيف لها أحداثا يوماً ما ستتحول هي أيضاً لذكريات حزينة وسعيدة، فالحياة ما هي إلا تجربة كاملة تأخذ منها قسمك ثم ترحل وتمضي تاركاً كل ما تحمله التجربة من تفاصيل خلف ظهرك.
حتى ذكرياتك التي كنت ترويها أو التي احتفظت بها لنفسك أيضاً ستتركها فى النهاية، لا أتمنى لكم سوى عام أكثر سعادة من ذي قبل، عام يطمس كل أحزان الأمس ويغطي على ذكرياته.
Nevenabbas88@gmail.com