الدولية

إيران بين الانهيار والانتحار

البلاد – رضا سلامة

التصريحات الأخيرة لمستشار الرئيس الأمريكي لشؤون إيران، بريان هوك، والوضع الاقتصادي المتدهور في الداخل الإيراني؛ بسبب سياسة”الضغط الأقصى” الأمريكية، وما ينتجه من تنامي الحراك الاحتجاجي، بالإضافة إلى انتفاضة متنامية في الإقليم ضد نفوذ وعربدة نظام الملالي، يجعل إيران أمام 3 خيارات: الانهيار الاقتصادي، أو التفاوض وتغيير السلوك، أو التصعيد العسكري المحدود أو الشامل.

قال هوك إن العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على القطاع النفطي الإيراني، قد أدت إلى تراجع تصدير النفط لدرجة لم نرها منذ الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، وهذا بدوره أدى إلى تراجع صادرات وعوائد بيع النفط بمقدار 80%.
وأضاف هوك خلال حديثه أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، أول أمس الخميس، “أن قادة إيران يواجهون قرارات هي الأكثر جدية منذ الثمانينيات، فعليهم إما الدخول في مفاوضات حقيقية أو رؤية اقتصادها ينهار”.

وأكد مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون إيران، أن بلاده لن تسمح لإيران أن تنكر أي عمل عسكري تقوم به وستحملها المسؤولية، مشيرًا إلى أن طهران “سترتكب خطأ فادحا إذا أساءت الحسابات حول ثباتنا، وإذا قامت بالمهاجمة فإننا سنرد عسكريًا بقوة، ونحن بالفعل أفشلنا العديد من العمليات التي كانت إيران تخطط لها منذ مايو”.

• صبر استراتيجي
ويرى مراقبون أن الضغوط تزايدت على إيران من الخارج والداخل بصورة غير مسبوقة، بفعل العقوبات الاقتصادية وما خلفته من تضخم وفقر وغلاء، حيث أكدت تقارير للبنك وصندوق النقد الدوليين في شهر أكتوبر الماضي، أنه بحلول نهاية عام 2019، سيكون الاقتصاد الإيراني أصغر بنسبة 10٪ مما كان عليه قبل عامين، وأن معدل التضخم الإجمالي بلغ 47.2٪، وبمعدلات تصل إلى 63.5٪ للأغذية والوقود؛ مما يعني وصول الاقتصاد الإيراني إلى محطة الانهيار في حال مواصلة سياسة الضغط الأقصى الأمريكية.

وأوصلت الأزمة الاقتصادية الطاحنة إيران إلى نهاية صبرها الاستراتيجي، فقد كانت تأمل أن يضع الأوروبيون والصينيون حزمة اقتصادية من أجلها، ما كان سيتيح لها إمكانية انتظار الانتخابات الأمريكية المقبلة على أمل أن يفوز بها معسكر الديمقراطيين، لكن فداحة خسائرها وخيبة أملها من الحلفاء والمحايدين لن تبقيها منتظرة كثيرًا دون لجوء للتفاوض أو التصعيد.

• صعوبة التفاوض
بالطبع التفاوض أحد خيارات إيران، لكنه خيار بالغ الصعوبة والتعقيد، فمن جهة إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015 استغرق 10 أعوام من المفاوضات السرية والعلانية، والأوضاع الإيرانية الضاغطة لا تتحمل مفاوضات طويلة، كما أن الشروط الأمريكية لعقد صفقة جديدة وإنهاء العقوبات مستمرة حيث تتطلب وقف البرنامج النووي والصاروخي وتدخلات إيران في شؤون الدول الأخرى وتمويل ودعم المليشيات الموالية وممارسات القمع في الداخل، مما يعني عمليًا نسف الأسس التي يقوم عليها النظام منذ استيلاء الخوميني على السلطة عام 1979، وتحول إيران إلى دولة طبيعة، وهذا أمر لا يمكن للملالي تسويقه أو تبريره للأنصار في الداخل والخارج.

• عواقب التصعيد
وخيار التصعيد الإيراني مطروح منذ فترة، حيث حذر كبار المسؤولين الأمريكيين من إمكانية استعداد إيران لشن هجمات جديدة بالشرق الأوسط، في إطار حملتها الرامية إلى تقويض سياسة الضغط الأقصى التي تنتهجها إدارة ترامب، وسبق أن تعرضت المنشآت التي تستخدمها القوات الأمريكية في العراق لعدد متزايد من الهجمات الصاروخية، من بينها 9 هجمات في الأسابيع الخمسة الماضية وحدها، ورغم أنه لم يُقتل أي أمريكي في هذه الهجمات، لكن الزيادة في إطلاق النار وحركة الصواريخ الإيرانية المُبلغ عنها إلى العراق تُعد بمثابة مؤشرات محتملة على هجمات قاتلة تستهدف الأفراد الأمريكيين، أو حتى تكرار هجمات بواسطة طائرات مسيرة على ناقلات ومنشآت نفطية في الخليج.

ولا شك أن أي صدام محدود بين إيران وأمريكا لن يفيد طهران بقدر ما يضرها ويؤذيها، ولن يحرك مسار التفاوض كما قد تتوقع، لأن الولايات المتحدة لن تتزحزح عن شروطها، بينما الصدام الكبير سيتيح توجيه ضربات قاصمة لقدرات الملالي على السيطرة والهيمنة بالداخل والخارج، مما يعني إمكانية اسقاطه من الداخل، في ظل تدهور شعبية النظام لدى الإيرانيين وانتفاضة ضده في العراق ولبنان وشعور مناهض في الإقليم، مما يجعل إيران في النهاية بين خياري الانهيار، أوالانتحار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *