اجتماعية مقالات الكتاب

وداعاً أبا وديع

حزن الإنسان – أي إنسان – على فقد قريب، أو صديق، أو زميل، عرفه ورافقه وتعامل معه فترة طويلة من الزمن، عرف خلالها الخصال الحميدة، والمزايا الحسنة، التي يتمتع بها ويتعامل بها مع الآخرين، نعم ليس غريباً هذا الموقف المؤثر فالكل في مثل هذه الحالة، يحزن، ويتألم، بل ويذرف الدموع أحياناً، أسفاً وحرقة على فراق ورحيل من أحب وكان له نعم الرفيق والمؤنس والمعين في الرخاء والشدة. (وكلنا راحلون) طالت بنا الأعمار أم قصرت والبقاء لوارث الأرض ومن عليها.

قبل أيام، تناقلت الصحف الورقية والإلكترونية عبر صفحاتها نبأ وفاة الكاتب والأديب الأخ الصديق الأستاذعبدالفتاح أبو مدين رحمه الله وأفردت عن خبر وفاته العديد من الصفحات اشترك فيها نعياً ورثاءً لعديد من أدباء وكتاب المملكة، الذين يعرفون مكانة الراحل وما تميز به من علم، وخلق وتواضع ووفاء وإنجاز خلال مسيرته الأدبية والصحافية والثقافية، والإصلاحية.

والراحل – رحمه الله – أحد الأدباء السعوديين الذين كان لهم الدور البارز في نهضة الأدب السعودي من خلال جهوده الإعلامية والأدبية والثقافية المواكبة لنهضة البلاد في شتى مجالات الحياة.

وكان لفقده أسى وحزن عميق لدى محبيه وأصدقائه وزملائه ورفاق دربه ومن تتلمذ على يديه من الجيل الماضي من خلال المطبوعات التي رأسها وفي طليعتها مجلة (الرائد) التي تخرج فيها العديد من شداة الأدب والصحافة والقصة والشعر على مستوى المملكة وخاصة مدينة الطائف في عهد صحافة الأفراد، وكان لهم نعم الموجه والمشجع في آن واحد إضافة إلى أنها كانت منبراً لكبار الكتاب والنقاد ليس على مستوى المملكة فحسب بل على مستوى العالم العربي، وما زلنا نحن رعيل تلك الفترة نذكر المعارك التي دارت رحاها على صفحاتها بين كبار الأدباء والنقاد أمثال الأستاذ/ أحمد عبدالغفور عطار، وأبو تراب الظاهري، وعلي دمر، وأحمد الذهب، وغيرهم كثير .. رحمهم الله جميعاً.

وبعد تحويل صحافة الأفراد إلى مؤسسات وتأسيس الأندية الأدبية عام 1395هـ كان أبو مدين من المرشحين لمجلس إدارة نادي جدة، ولخبرته الطويلة في المجال الأدبي والثقافي أسندت إليه فيما بعد رئاسة النادي، فنهض به وأصبح ذا شأن في إصداراته ونشاطاته المنبرية والإبداعات الشعرية والبحثية والقصصية والنقدية .

وكنت قد عرفت الراحل رحمه الله، ككاتب أسبوعي في مجلة الرائد التي كان رئيساً لتحريرها في عهد صحافة الأفراد، ثم توطدت العلاقة بيني وبينه عند تأسيس الأندية الأدبية عام 1395هـ فكنت ألتقيه في المحاضرات والأمسيات والندوات وفي الإسهامات الكتابية في بعض الصحف ومنها (جريدة البلاد) وفي اجتماعات رؤساء الأندية الأدبية التي كانت تقام في كل عام، وقد سعدت بأن زارني في داري بالطائف أكثر من مرة، وكنت ألتقيه أكثر في إثنينية عبدالمقصود خوجه بجده والتي توقف نشاطها أخيراً تبعاً لمرض صاحبها أسأل الله أن يمنحه الصحة والعافية ليعود نشاطها كما كان فتوقفها خسارة فادحة على الثقافة والمثقفين وعلى الساحة الأدبية على وجه العموم وظل التواصل بيني وبين الراحل رحمه الله إلى قبل وفاته بأيام.

وقد صدر للراحل العديد من المؤلفات أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أمواج وأثباج بالمشاركة مع الأستاذ عبدالعزيز فرشوطي / الفتى مفتاح سيرة ذاتية / الصخر والأظافر/ هؤلاء عرفت / أيام في النادي/ ومع مشاغل الكاتب وتقدمه في العمر، إلا أن قلمه ظل وما يزال حتى وفاته ينثر مقالاته الإصلاحية في العديد من الصحف المحلية وكانت تقابل بالثناء والدعاء.

ولمكانة الراحل وإنجازاته الأدبية والثقافية والإصلاحية، في خدمة أمته ووطنه وقيادته فقد توِّجَت مسيرته في مهرجان الجنادرية 2018م بمنحه وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى قلده إياه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله في احتفال مشهود وقدمت ندوة عنه في برنامج المهرجان.

رحم الله أبا وديع الأديب الأريب الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين، وجزاه بما عمل وقدم وأنجز في خدمة أمته ووطنه وقيادته خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته، وألهم أهله ومحبيه وأصدقائه وزملائه ورفاق دربه ومن تتلمذ على يديه الصبر والسلوان (إنا لله وإنا إليه راجعون).
Ali.kodran7007@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *