المحليات

المدارس المستأجرة.. تخلو من الأمان وتقتل المواهب

تحقيق ـــ ياسر بن يوسف

منذ أكثر من 30 عاما يربض مبنى مدرسة ثانوية ” مستأجرة ” في أحد أحياء جنوب جدة ، وتتعاقب على هذا المبنى الأجيال ، والفصول وتتصدع جدرانه ورغم ذلك ما زال المبنى يستقبل مع إطلالة كل صباح جديد مئات الطلاب ، وليس هذا المبنى المدرسي الوحيد المستأجر وأنما هناك مئات المباني المماثلة ، ما زالت تستقبل الطلاب والطالبات رغم أنها غير مهيأة للعملية التعليمية، ورغم تأكيدات وزارة والتعليم بسرعة الاستغناء عن المدارس المستأجرة التي تعاني من نقص كبير في مجال الأمن والسلامة،

فضلا على انها تخلو من المعامل والملاعب التي تنمي مواهب الطلاب والطالبات، إلا أن المشروع لا يزال يواجه حالة من التعثر نتيجة شح الأراضي وتأخر إنجاز المقاولين للمشاريع. يأتي ذلك في حين تعج هذه المدارس المستأجرة بالمخالفات المختلفة ومنها تصدع المباني وسوء الصيانة وغياب مخارج الطوارئ مما يهدد سلامة الطلاب في أي وقت.


“البلاد ” حملت ملف المدراس المستأجرة والتقت بمختصين ومواطنين والذين أكدوا أن مباني المدراس المستأجرة تخلو من الأمان ومخارج الطوارئ والمختبرات والميادين، ما يجعلها تشكل خطورة على الطلاب وتقتل مواهبهم الإبداعية، مسترجعين في الوقت نفسه عددا من الحوادث التي وقعت في مبان مدرسية مستأجرة.

البداية كانت جولة ميدانية لـ (البلاد)على مدارس، بمختلف أحياء محافظة جدة وقد تركزت الجولة على جنوب جدة لوجود أغلبية المدارس المستأجرة وقد تبين أن هناك الكثير منها عبارة عن عمائر سكنية قد تشكل خطرا في أية لحظة، ورصدت الكاميرا وجود الكثير من “الهناجر” والحديد على مداخل المدارس والنوافذ، والأسطح مما يستحيل معه الإنقاذ في حالات الطوارئ المختلفة، كما أن غالبية مخارج الطوارئ مغلقة تمامًا بالحديد ومحكمة باللحام.

ورصدت الجولة أن غالبية المدارس التي عليها ملاحظات هي مدارس مستأجرة وأن هناك صعوبة في البحث عن مبانٍ أخرى، لعدم توفر الأراضي المناسبة داخل الأحياء التي يمكن بناء مدارس نموذجية عليها، كما تم رصد ملاحظات أخرى خطيرة منها عدم وجود مخارج لبعض المدارس المستأجرة، فيما المكان المخصص للدخول والخروج واحد، مما يؤدي الى تفاقم الكارثة في حالة وقوع أي طارئ.

والغريب في بعض المدارس انها مستأجره منذ 40 سنة وحتى الآن لم تجد لها وزارة التعليم حلا وقد لوحظ خلال الجولة ان هناك مباني تخدم مدرستين في وقت واحد ومبنى واحد.


في البداية أوضح خالد باجنيد إن استئجار المدارس ربما يكون ضرورة ذلك أن الحاجة الى فتح مدارس جديدة يعتبر عملية متسارعة لا يمكن أن تواكبها عملية بناء عاجلة لكن الأسلوب العقيم وغير المبرر يتمثل في أن تستمر الدراسة في بعض المدارس المستأجرة لعشرات السنين حتى يصبح المبنى متهالكا وآيلا للسقوط ما يهدد الطلاب والطالبات بالخطر والملفت للنظر ايضاً ان الأجهزة المسؤولة عن التعليم العام تعاني من مشكلة تتمثل في الاقتصار على اتجاهين لا ثالث لهما وهما إما أن تقوم تلك الجهات ببناء مدارس على أحدث طراز وعددها محدود وتكلفتها المالية والزمنية عالية أو تستأجر مباني لتصبح مدارس مع أن تلك المباني صممت أساساً لسكن عدد محدود جداً من الناس لا يزيد على أفراد عائلة واحدة لذلك فهي لا تصلح مدارس ومع ذلك “يضغط ” فيها أعداد كبيرة من الطلاب يصل عددهم أحياناً الى (30) طالباً في الغرفة الواحدة التي لا تتجاوز مساحتها (20)م 2 في أحسن الأحوال وهذا النوع من المدارس هو الأكثر انتشاراً. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل الأدهى والأمر أن تستمر المدرسة في ذلك المقر لعشرات السنين حتى يصبح المبنى متهالكا وغير صالح للاستعمال.

أسلوب عملي
وفي سياق متصل قال فيصل أبو زيد يجب أن نتجه إلى الأسلوب العملي والعلمي لحل مشاكل المدارس المستأجرة وهذا ربما يحتاج إلى اتباع مجموعة من البدائل ربما يتمثل بعض منها إن المبنى المدرسي وسيلة وليس غاية لذلك فإن استئجار المدارس بالأسلوب القائم حالياً يحتاج إلى إعادة نظر وفي المقابل فإن بناء المدارس على أحدث طراز يكلف كثيراً من الجهد والمال والوقت مع أن هناك حلولا وسطا يمكن اللجوء إليها لحل مثل هذه المشكلة وقد شاهدت مثل هذه الأساليب في بناء القاعات الدراسية وصالات المحاضرات في المدارس والجامعات في بعض الدول وهذه الأساليب تعتمد على مبدأ بناء دور واحد على مساحة أراضي كبيرة باستخدام مواد بسيطة ومتوفرة وتلك المباني تتوفر فيها كل مقومات الدراسة من فصول واسعة تتوفر فيها مقاعد قوية وثابتة وإنارة طبيعية وكهربائية كما تتوفر فيها مقومات الأمن والسلامة بالإضافة الى ساحات واسعة ومسطحات خضراء.

وهنا يجب أن نذكر أن وزارة التعليم قد لجأت الى مثل هذا الخيار قبل عشرين عاماً وكان ناجحاً وعملياً والخطأ الذي ارتكب في ذلك الوقت هو أن البناء تم باستخدام مواد مسبقة الصنع قابلة للاحتراق ناهيك عن أن العمر الافتراضي لها كان قصيراً كما أنه يحتاج إلى صيانة بصورة مستمرة ومكلفة مما عجل بإلغائها والعودة إلى أسلوب الاستئجار.

إن بناء المدارس على أرض واسعة ومن دور واحد، بأسلوب بسيط حتى ولو أدى الأمر الى استخدام الأسلوب القديم في البناء مثل استخدام الخشب في بناء السقوف ثم تغطيته من الداخل بالأسقف المستعارة سوف يجعل التكلفة منخفضة ومدة التنفيذ قصيرة ناهيك عن أن هذا الأسلوب في البناء سوف يمكن من ايجاد مدارس أكثر قدرة استيعابية ناهيك عن كونها أكثر أمناً وكما ذكرت سابقاً فإن هذا الأسلوب متبع في كثير من المدارس في الخارج والمتمثل في بناء المدرسة من دور واحد على أرض واسعة.


تكاليف الشراء
أما منصور المطيري فقال أن جميع المخططات المعتمدة للأحياء الجديدة والقديمة تحتوي على مواقع ممتازة وواسعة لمرافق تعليمية وصحية وغيرها ولكن الملاحظ أيضاً أن كل المرافق لا يستخدم إلا القليل منها والباقي يذهب مع الريح أو يتم تركه حتى تصبح تكلفة شرائه باهظة مما يؤدي على تركه والاتجاه إلى الإيجار. وهنا أحب أن اقترح أن يتم إفراغ المرافق التعليمية مباشرة بمجرد اعتماد المخطط من قبل الجهات المختصة باسم الجهة التعليمية المعنية مع عدم السماح بتنازل تلك الجهة عن ذلك المرفق مهما كانت المبررات،

ويمكن التعاون بين القطاعات التعليمية والقطاع الخاص سواء كانوا أفراد أو شركات في بناء المدارس بحيث تقوم الجهة التعليمية بتقديم الأرض ويقوم القطاع الخاص ببناء المدارس عليها على أن يضمن له إيجارا يدر عليه عائداً لا يقل عن 10% من رأس المال المستثمر لمدة زمنية محددة. أو يقوم القطاع الخاص بكامل المشروع من أرض وبناء على أن يضمن له إيجارا يدر عليه عائداً لا يقل عن 15% من رأس المال المستثمر لمدة زمنية محددة يتفق عليها. ان رفع نسبة الربح المتوقع يشجع القطاع الخاص على الاستثمار في بناء المدارس خصوصاً إذا ضمنت الجهة التعليمية المعنية الالتزام بالإيجار لمدة زمنية لا تقل عن خمس عشرة سنة مثلاً.

كما أنه يجب أن تشكل لجان رقابية دائمة ومستقلة عن الأجهزة التعليمية وتابعة لمجالس المناطق مثلاً ويكون فيها أعضاء من الدفاع المدني ووزارة الصحة ووزارة الشؤون البلدية والقروية وامارة المنطقة ومندوب عن الجهة التعليمية المعنية وتكون مهمة تلك اللجنة التفتيش على المدارس المستأجرة ووضع تقرير دوري عنها كل عام وإقرار استئجار المباني المدرسية في المستقبل والحكم بصلاحيتها مدارس على أن يكون الأعضاء غير دائمين. مما ينعكس ايجابياً على صلاحية تلك المباني وتوفر الحد الأدنى من المتطلبات التي تؤهلها للاستعمال كمدرسة.

أن يتم اعتماد خطة عمل وضوابط لاستئجار المدارس يكون من أهم شروطها أن يكون المبنى المستأجر جديدا ويحتوي على المرافق الأساسية التي تؤهله لكي يصبح مدرسة بالإضافة الى وضع حد أعلى للمدة الزمنية لبقاء المدرسة في ذلك المبنى وهي (15) سنة مثلاً على أن تنقل المدرسة خلال تلك الفترة الى مبنى حكومي يشيد لهذا الغرض.


قرار نافذ
وقال خالد الشمراني ان أهم اجراء جذري لمعالجة مشكلة المدارس المستأجرة القديمة التي بها خلل يهدد الطلاب والطالبات هو اتخاذ قرار نافذ باستبدال تلك المدارس المستأجرة القديمة بمدارس مستأجرة جديدة في نفس الحي وبنفس معدل الإيجار على أن يتم ذلك خلال فترة زمنية لا تتعدى سنة من الآن وبذلك تتمكن الأجهزة المعنية بالتعليم العام وهي وزارة المعارف بعد ضم الرئاسة العامة لتعليم البنات اليها وغيرها من الجهات من تحديث جميع مدارسها المستأجرة والتي يشكل استمرار استعمالها خطرا محتملاً بمدارس مستأجرة جديدة وحديثة وهذا الأسلوب لن يكلف تلك الجهات أي مبالغ إضافية، ناهيك عن أن المباني الجديدة سوف يتم الحصول عليها بشروط ومواصفات أفضل من سابقتها ومثل هذا الاجراء سهل اذا صح العزم وصدقت النوايا.

وفي الختام فإنه يجدر بنا أن ننوه بالجهود التي تبذلها الدولة في سبيل الرقي بالتعليم بجميع مراحله العام والعالي والمتمثل في توفير كل الوسائل التي تؤدي الى تحسينه وحيث ان المباني المدرسية ذات أهمية كبيرة في العملية التربوية فإن حسن الاختيار للمباني المدرسية والعمل على صيانتها سواء كانت حكومية أو مستأجرة لا يعتبر اجراء مهماً ذلك أن أمن وسلامة الطلاب أمر لا يمكن التفريط به أو التساهل فيه، ناهيك عن أن المبنى المدرسي المناسب يشكل دوراً أساساً في العملية التعليمية فالتهوية والإنارة والظروف الصحية والوسائل الترفيهية وعدم الزحام كلها أمور تؤثر في العملية التربوية دون شك، ناهيك عن أن جو المدرسة يجب أن يكون عامل جذب للتلميذ وحبه للمدرسة وإقباله عليها.

لذلك كله فإن إعادة النظر في الأساليب المتبعة في استئجار وبناء المدارس أصبح امراً ضرورياً تفرضه متغيرات المرحلة .


مرافق ليست آمنة للطلاب والطالبات
المهندس الاستشاري سلامة محمود بدير قال المباني المستأجرة سواء كانت لدائرة حكومية أو تعليمية هي في الأساس مباني اما عمائر سكنية أو فلل ومصمم في الأساس لغرض السكن لاغير وينطبق هذا الكلام على المباني المدرسية المستأجرة التي هي في الأساس أعدت لتكون مباني سكنية، ولكن لقلة المباني الحكومية ولكثرة الطلاب كان أحد الحلول التي لجأت لها وزارة والتعليم حيث وفرت المكان للعملية التعليمية بالرغم من أنها لم تعد مكانا مناسباً في الوقت الحاضر.

فان للمدارس المستأجرة سلبيات كثيرة وهي واضحة للعيان. وأضاف المهندس سلامة ان من المشاكل التي تعاني منها المدارس المستأجرة بشكل يومي عدم وجود فناء ومكان للطابور الصباحي والأنشطة الرياضية وكذلك عدم كفاية دورات المياه التي لم تكن تلك المباني مصممة بالأساس لاستيعاب الاعداد الكبيرة من الطلاب وكذلك سوء التهوية في المباني المستأجرة وسوء التكييف وصغر الغرف الدراسية التي هي بالأساس اما غرف نوم او مطابخ بل هناك العديد من المشكلات النفسية لدى الطلاب والمدرسين تسببها هذه المباني فعدم وجود أماكن للترفيه والابتكار في مجال العلوم الغير منهجية لإظهار المواهب لديهم تجعل الطلاب غير مبدعين.

نعود إلى المدارس المستأجرة ونقول إن الأسلوب القائم في استئجار المدارس غير عملي والضوابط التي يتم بمقتضاها استئجار المدارس ربما تكون جيدة على الورق لكنها لا تطبق في بعض الأحيان على أرض الواقع.


الانتهاء من المستأجره خلال 3 سنوات
تشكل المدارس المستأجرة في تعليم مكة المكرمة ما نسبته 27 ‎%‎ من عدد المدارس، في حين أن المبنى المدرسي أحد أهم أركان البيئة التعليمية الجاذبة والداعمة لتقديم عملية تعلمية وتربوية متطورة وناجحة، وتخطط الإدارة العامة للتعليم بمنطقة مكة المكرمة بالتخلص من المباني المستأجرة خلال مدة 3 سنوات وفق مراحل زمنية محددة أعدت ضمن الخطط. يذكر أن المبنى المدرسي المستأجر يعد عائقاً كبيراً في طريق إفادة الطلاب بالعلوم النافعة، وتقديمها بالشكل المطلوب، نظراً لافتقاد هذه المباني إلى سبل التعليم الجيدة والبيئة الصفية شديدة الازدحام للفصول الدراسية والجو غير الصحي بما في ذلك عدم توفر كافة الوسائل المعينة للعملية التعليمية كالمختبرات المجهزة والصالات المغطاة والرياضية والساحات الرياضية المساندة التي قد يزاول فيها الأنشطة الصفية. كما أن المباني المستأجرة لها انعكاسات سلبية للعمل وتؤثر على مواهب الطلاب وهواياتهم، لاسيما وأنها تفتقد إلى معامل وملاعب وأجهزة من شأنها إكساب الطلاب مهارات أكبر تسهم في تنمية مواهبهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *